وأما الفترات العصيبة التي مرت بالتأريخ الإسلامي في أيام بعض الخلفاء العباسيين، والتي حجر فيها على البحث في بعض الموضوعات الفلسفية أو المذهبية، كالبحث مثلا في موضوع خلق القرآن، وهل هو قديم أم حادث؟ فقد كانت دواعيها هي خوف الخليفة من أن يفقد احترام الناس له ولمنزلته التي تقترب من القداسة، وبالتالي نفوذه وسلطانه.
ولو أن النقد الذي وجهه جعفر الصادق (عليه السلام) إلى نظرية بطليموس ساق مثله باحث في أوروبا، لأصابه على أقل تقدير جزاء التكفير والطرد من المجتمع الديني.
ولو أن باحثا أبدى هذا الرأي في أوروبا في القرن الثالث عشر الميلادي والقرن الذي بعده، لكانت عقباه الإعدام والإحراق بالنار، وقد نص القانون الصادر عن المجمع الديني المنعقد عام 1183 ميلادية في مدينة (ورون) على أن جزاء الخارج على الدين الإعدام بالمقصلة (La Guillotine)، ثم جاء البابا جورجيس التاسع، ووضع قواعد محاكم التفتيش العقائدية (Inquisition) في سنة 1233 للميلاد. ومنذ ذلك التأريخ، نفذت الأحكام الصادرة عن هذه المحاكم بإحراق كل من يدان بالاعتقاد بعقيدة تخالف المسيحية، واعتباره خارجا على الدين.
وكانت لهذه المحاكم سلطة واسعة في التحري والتفتيش، حتى في حرم المدارس والجامعات، وكانت عقوباتها الصارمة في انتظار أي طالب يجرؤ على توجيه سؤال غير مألوف أو خارج عن قواعد الدين إلى الأستاذ، حتى ولو كان ذلك في قاعة الدرس وفي حرم الجامعة.
واستمرت هذه المحاكم تزاول نشاطها إلى سنة 1808 ميلادية عندما تولى نابليون الأول السلطة، كإمبراطور لفرنسا، فأمر بحلها وإلغائها، ولكن هذا الإلغاء لم يستمر طويلا، إذ أنها أعيدت في أسبانيا اعتبارا من سنة 1814 ميلادية،