الفرق في صورة مانعية صفات الماء عن ظهور التغير بين كونها أصلية كالمياه الزاجية والكبريتية وبين كونها عارضية كالمصبوغ بطاهر، فيعتبر التقدير في الثاني دون الأول، فانقدح بذلك أن المسألة ذات أقوال ثلاث.
وتحقيق المقام: أن الماء إذا وافق النجاسة في الأوصاف لخلقة أو لعارض، فإما أن يكونا متساويين فيها بحسب المرتبة - على معنى كونهما باعتبار الوصف في درجة واحدة بأن لا يزيد الوصف في أحدهما عليه في الآخر - أو لا، وعليه فإما أن يكون وصف النجاسة أشد وأعظم من وصف الماء أو بالعكس، والذي يساعد عليه النظر أن شيئا من هذه الصور مما لا ينبغي الخلاف في حكمها من حيث الطهارة والنجاسة، نظرا إلى أن المتجه في الاولى والثالثة الحكم بالطهارة وفي الثانية الحكم بالنجاسة.
أما في الصورة الاولى: فلأن التغير بحكم الحس والوجدان مما لا يتأتى فيما بين شيئين على نحو يكون أحدهما مغيرا والآخر متغيرا إلا إذا كانا قابلين للفعل والانفعال - أي التأثير والتأثر - ولا يعقل ذلك إلا إذا كان لأحدهما مزية كاملة على صاحبه، على معنى اشتماله في حد ذاته أو لعارض على ما لا يشتمل عليه صاحبه ليكون من جهته صالحا للفعل والتأثير فيه، ومعطيا إياه شيئا مما اشتمل عليه؛ ضرورة أن فاقد الشئ لا يعقل معطيا لذلك الشئ.
وإذا فرضنا الماء والنجس متساويين في مرتبة الوصف غير متفاوتين في الزيادة والنقيصة باعتبار ذلك الوصف فدخل أحدهما في الآخر واختلط معه، فكيف يعقل التأثير والتأثر فيما بينهما وتغير أحدهما عن صاحبه، مع أنه لو صح ذلك فإما أن يكون من أحد الجانبين خاصة أو من كليهما - بأن يكون كل مؤثرا في الآخر ومتأثرا - ولا سبيل إلى شئ منهما.
أما الأول: فلأن ذلك التأثير إما أن يكون بإحداث زيادة في وصفه وإيراث شدة له، أو بإيجاد ضعف وخفة في وصفه، والأول محال بالنظر إلى ما أشرنا إليه من أن الفاقد لا يصلح معطيا، كما أن الثاني مما لا يعقل إلا في المتخالفين من جهة الوصف كالأسود والأبيض مثلا، فيؤثر الأسود مثلا في الأبيض فيضعف به بياض الأبيض والمقام ليس منه، مع أن فرض التأثير من أحدهما دون الآخر مع فرض تساويهما من جميع الجهات