خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا بدلالة الشرع عليه، فكذلك زوال تلك النجاسة العارضة بعد العلم بعروضها على خلاف الأصل، فلا يصار إليه إلا بدلالة الشرع عليه، وقضية ذلك وجوب البناء على النجاسة فيما لو شك في طهارته بعد تيقن النجاسة، من غير فرق فيه بين كون الشك من جهة حصول الرافع المعلوم كونه رافعا، أو في رافعية الحاصل لأمر راجع إليه نفسه في شبهة موضوعية أو حكمية لعدم تعينه بحسب الشرع، أو للشك في مدخلية شئ فيه؛ أو لأمر راجع إلى المحل.
وقد تبين فيما سبق أن الأصل في اقتضاء ترتب جميع أحكام النجاسة على المحل كالعلم، على معنى أنه يقوم مقامه ما لم يحصل ما يرفعه، فالماء المحكوم عليه بالنجاسة إذا شك في زوال نجاسته، لا كلام فيه إذا كان الشك ناشئا عن حصول المزيل، أو عن الشبهة الموضوعية في الحاصل، كما لو ثبت شرعا أن الكر من الماء رافع لنجاسة القليل المتنجس، ومطهر له، فالقي عليه مقدار كر متردد بين كونه ماء أو مضافا، فإن المرجع في مثل ذلك هو الأصل بلا إشكال.
وإنما الغرض المهم في المقام، استعلام حال الشك إذا كان في رافعية الحاصل لشبهة حكمية راجعة إلى المحل، كما لو شككنا في كونه قابلا للطهارة كالثياب، أو غير قابل لها كالأدهان المتنجسة، أو إلى الرافع بعد إحراز القابلية للمحل، إما من حيث تعيين أصله المردد بين كونه ماء أو غيره، كزوال التغير مثلا في الكر المتغير بالنجاسة، أو من حيث مدخلية ما يشك في مدخليته فيه، كالدفعة والامتزاج وغيره مما ستعرفه من موارد الخلاف، فلابد في الخروج عن ذلك الشك من الدلالة الشرعية نصا أو إجماعا، غير أن النصوص - كتابا وسنة - خالية عن تلك الدلالة كما اعترف به غير واحد.
هذا إذا أردنا من الدلالة من جهة النص ما يكون دلالة صريحة مستقلة، وإلا أمكن إثبات الدلالة التزاما تبعيا، بملاحظة النصوص الواردة في البئر المتغير ماؤها بالنجاسة، الدالة على طهرها بالنزح المزيل للتغير، بناء على ما نستظهر منها كون المطهر في الحقيقة هو الماء المتجدد من المادة لا النزح، ولا مجرد زوال التغير أو هو مع الزوال، فإن ذلك مع ملاحظة ما دل من الأخبار، على عدم انفعال البئر بمجرد الملاقاة، مما يمكن أخذه دليلا على الملازمة المجمع عليها التي ستعرف الكلام في إثباتها هذا.