ذلك اعتبار التعدية في كل من " الفاعل " و " الفعيل "، وهو - مع أنه خلاف ما استشهد له - مما لا يجري في " الطهور " إذا فرض كونه مبالغة في الطاهر، إذ لم يقل أحد بكون " طاهر " بمعنى المطهر حتى في موضع الاستدلال.
وأما ثالثا: فلأن غاية ما هنالك، ثبوت استعمال على الوجه المذكور، ولعله في هذا الموضع وارد على سبيل المجاز، محافظة على القاعدة النحوية من " أن المفعول به لا يعمل فيه إلا المتعدي " ولا يلزم من ذلك اعتبار التجوز في كل " فعول " ورد مجردا عن القرينة، ونعم ما قال الشارح الرضي - [في نفي] (١) كون " الكليل " متعديا من المكل من -: " أنه لا استدلال بالمحتمل ولا سيما إذا كان بعيدا " (٢).
وبالجملة: هذه الكلمات مما لا ينبغي التفوه بها في منع الدليل المحكم المطابق للعرف واللغة، والقواعد المحكمة المتفق عليها.
نعم، لو كان منع كلام الخصم وهدم استدلاله مما لابد منه، فليقل: بمنع ابتناء الدلالة على كون الماء مطهرا على كون " طهور " في الآية مرادا منه المبالغة، وسند هذا المنع وجوه جمعناها عن كلام الأصحاب، وإن كان بعضها واضح الضعف:
منها: ما حكاه صاحب المصباح المنير، في عبارة محكية عنه عن بعض العلماء، أنه قال: " ويفهم من قوله: ﴿وأنزلنا من السماء ماء طهورا﴾ (3) أنه طاهر في نفسه مطهر لغيره، لأن قوله: " ماء " يفهم منه أنه طاهر، لأنه ذكره في معرض الامتنان، ولا يكون ذلك إلا بما ينتفع به، فيكون طاهرا في نفسه، وقوله: " طهورا " يفهم منه صفة زائدة على الطهارة، وهي الطهورية " (4).
وقد يقال: بأن " الطهور " لو لم يرد منه المطهرية، بعد ما كانت الطهارة مفهومة من الماء بملاحظة الامتنان، كان ذكره عبثا تعالى الله عن ذلك.
وفيه: أن الامتنان وإن كان يقتضي كون الماء مما ينتفع به، إلا أن جهة الانتفاع به لا تنحصر فيما يقتضي الطهارة الشرعية، بالمعنى المقابل للنجاسة، بل له جهات اخر كثيرة