ويمكن المناقشة أيضا بعدم تناوله رفع الحدث؛ لأن كونه تطهيرا إنما ثبت بالشرع، واللفظ الوارد في الخطاب إنما يحمل على ما يتداوله العرف و يساعد عليه اللغة.
ولكن دفعها بناء على القول بثبوت الحقيقة الشرعية فيه وفي لفظ " الطهارة " أيضا هين، وعلى القول بعدم ثبوتها فيه بالخصوص - كما هو الأرجح - بأن نقول: حمل اللفظ على المعنى العرفي اللغوي هنا لا يقدح في دخول رفع الحدث في مفهوم التطهير؛ فإن النظافة في مفهوم " الطهارة " لغة وعرفا في نظر العرف شئ وعند الشارع شئ آخر، ولعل بينهما عموما من وجه، فيكون الاختلاف بينهما إختلافا في المصداق دون المسمى، نظير ما لو اختلف زيد وعمرو - بعد اتفاقهما على أن لفظة " زيد " موضوعة لابن عمرو - في أن ابن عمرو هذا الرجل أو ذاك الرجل، فإذا حملنا التطهير الوارد في الآية على التنظيف بالمعنى الشامل لرفع الحدث والخبث معا، لم يكن منافيا لحمله على معناه العرفي اللغوي جدا.
وأجيب عن الأوليين: بأن ورود المطلق مورد الامتنان وإظهار الإنعام والإحسان مما يفيد العموم، فيمنع عن كون لفظة " الماء " حينئذ نكرة، بل هو اسم جنس منون، على حد ما في قول القائل: " في الدار رجل لا امرأة "، ومعه كان الحكم معلقا على الماهية الجنسية، فيسري إلى الأفراد قاطبة.
وأن مياه الأرض كلها من السماء، كما نطق به قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون) (١)، وقوله تعالى: ﴿ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه﴾ (٢)، وقوله تعالى:
﴿هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر - إلى قوله - ينبت لكم به الزرع﴾ (3).
وجه الاستدلال بالآية الاولى: أنها تقضي بذلك صدرا وذيلا.
أما الأول: فلكونه في معرض الامتنان، فلولا جميع مياه الأرض من السماء لما تأتي ذلك الغرض؛ لإمكان التعيش من الماء بما هو من أصل الأرض.
وأما الثاني: فلظهور قوله: (وإنا على ذهاب به لقادرون) (4) في إرادة التهديد على كفران النعمة، والعدول عن الطاعة إلى المعصية، فلولا إذهابه بماء السماء موجبا لخلو