من بعدك. فجمع داود (ع) ولده، فلما ان قضى الخصمان قال سليمان (ع):
يا صاحب الكرم متى دخلت غنم هذا الرجل كرمك؟ قال دخلته ليلا، قال: قد قضيت عليك يا صاحب الغنم بأولاد غنمك وأصوافها في عامك.
ثم قال له داود (ع): فكيف لم تقض برقاب الغنم وقد قوم ذلك علماء بني إسرائيل؟ فكان ثمن الكرم قيمة الغنم، فقال سليمان: ان الكرم لم يحنث من أصله وانما اكل حمله وهو عائدا في قابل.
فأوحى الله عز وجل إلى داود عليه السلام: ان القضاء في هذه القضية ما قضى سليمان به، يا داود أردت أمرا وأردنا غيره.
فدخل داود (ع) على امرأته فقال لها أردنا أمرا وأراد الله غيره، ولم يكن إلا ما أراد الله عز وجل، وسلمنا.
وكذلك الأوصياء عليهم السلام ليس لهم ان يتعدوا بهذا الأمر فيجاوزون صاحبهم إلى غيره.
يقول مؤلف هذا الكتاب أيده الله تعالى: الأخبار الواردة في هذه القضية من التعارض وذلك أن بعضها دال على اختلاف حكمي داود وسليمان عليهما السلام وبعضهم دال على اتحاد الحكم، ويمكن الجمع بوجوه:
الأول - حمل ما دل على الاختلاف في الحكم على التقية، كما قاله بعض أهل الحديث، لانطباقه على أقوال العامة من جواز الاجتهاد على الأنبياء عليهم السلام وبطلانه لا يحتاج إلى البيان.
الثاني - حمل الحكم الذي تكلم به سليمان، على أنه ناسخ لحكم داود، كما تقدم في الحديث، وبه قال جماعة من علمائنا وكثير من المعتزلة.
وما يرد عليه من النسخ انما يكون في شرايع اولي العزم لمن تقدم عليهم.
فجوابه: ان مثل هذه الأمور الجزئية يجوز وقوع النسخ فيها في كل الشرايع كما قاله بعض علمائنا رضوان الله عليهم.
الثالث ان الحكم الذي كان عند داود (ع) هو حكم من تقدمه من