وليس من عادة الحكماء المتماسكين.
قلنا: ليس فيما حكاه الله تعالى من فعل موسى بأخيه ما يقتضي صدور معصية ولا قبيح من واحد منهما. وذلك أن موسى عليه السلام اقبل وهو غضبان على قومه لما أحدثوا بعده مستعظما لفعلهم، مفكرا فيما كان منهم، فأخذ برأس أخيه وجره إليه، كما يفعل الانسان بنفسه مثل ذلك عند الغضب وشدة الفكر.
اما ترى ان المفكر الغضبان قد يعض على شفتيه ويقبض على لحيته، فأجرى موسى عليه السلام أخاه هارون مجرى نفسه، لأنه كان أخاه وشريكه ومن يمسه من الخير والشر ما يمسه، فصنع به ما يصنع الرجل بنفسه في أحوال الفكر والغضب، وبهذه الأمور تختلف أحكامها بالعادات فيكون ما هو إكرام في بعضها استخفافا في غيرها وبالعكس.
واما قوله: (لا تأخذ بلحيتي) فلا يمنع ان يكون هارون خاف من أن يتوهم بنو إسرائيل بسوء ظنهم انه منكر عليهم معاتب، ثم ابتدأ بشرح قصته فقال في موضع: (إني خشيت ان تقول...) الآية، وفي موضع آخر: (يا بن أم إن القوم استضعفوني). ويمكن ان يكون قوله (لا تأخذ بلحيتي) ليس على سبيل الأنفة بل معنى كلامه لا تغضب ولا يشتد جزعك واسفك، انتهى.
وذكر الصدوق: ان ذلك كان بينهما على جهة المصلحة لتخويف الأمة وليعلموا شدة إنكار موسى عليهم، على أنه لو كان ذلك مما لا ينبغي من واحد منهما فهو من باب ترك الأولى. كما قيل لما ورد من الأدلة القاطعة على عصمتهم.
(وروي) ان موسى عليه السلام لما رجع إلى قومه وقد عبدوا العجل، قال لهم موسى: (يا قوم انكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل فتوبوا إلى الله بارئكم فاقتلوا أنفسكم). فقالوا كيف نقتل أنفسنا؟ فقال لهم موسى: اغدوا كل واحد منكم إلى بيت المقدس ومعه سكين أو حديدة أو سيف، فإذا صعدت انا منبر بني إسرائيل فكونوا أنتم متلثمين لا يعرف أحد صاحبه فاقتلوا بعضكم بعضا. فاجتمعوا سبعين الف رجل ممن كانوا عبدوا العجل إلى بيت المقدس، فلما صلى بهم موسى