فجمعت حوله رملا، فإنه كان سائلا فزمته بما جعلت حوله، فلذلك سمي زمزم، وكان جرهم نازلة بعرفات، فلما ظهر الماء بمكة، وعكفت الطير والوحوش عليه، اتبعوها حتى نظروا إلى امرأة وصبي نازلين في ذلك الموضع قد استظلا بشجرة، قد ظهر الماء لهما، قال لهاجر: من أنت وما شأنك وشأن هذا الصبي؟ قالت انا أم ولد إبراهيم خليل الرحمان، وهذا ابنه. فقالوا لها: فتأذنين لنا ان نكون بالقرب منكم، ثم انها استأذنت إبراهيم؟ فأذن لهم، فنزلوا بالقرب منهم، فأنست هاجر وإسماعيل بهم فلما رآهم إبراهيم عليه السلام في المرة الثالثة نظر إلى كثرة الناس حولهم، فسر بذلك سرورا شديدا فلما ترعرع إسماعيل عليه السلام وكانت جرهم قد وهبوا لإسماعيل كل واحد منهم شاة وشاتين، وكانت هاجر وإسماعيل يعيشان بها، فلما بلغ مبلغ الرجال، امر الله عز وجل إبراهيم: ان يبني البيت، فقال:
يا رب في أية بقعة انا؟ قال: في البقعة التي أنزلت على آدم القبة فأضاء لها الحرم، فلم تزل القبة التي أنزلها على آدم قائمة حتى كانت أيام الطوفان أيام نوح عليه السلام فلما غرقت الدنيا، رفع الله تلك القبة وغرقت الدنيا، فسميت البيت العتيق، لأنه أعتق من الغرق، فلما امر الله عز وجل إبراهيم ان يتخذ البيت. فلم يدر في أي مكان؟ فبعث الله عز وجل جبرئيل عليه السلام، فخط له موضع البيت. فأنزل الله عليه القواعد من الجنة، وكان الحجر الذي أنزله الله على آدم أشد بياضا من الثلج فلما مسته أيدي الكفار إسود. فبنى إبراهيم البيت ونقل إسماعيل الحجر من ذي طوى فرفعه في السماء تسعة أذرع، ثم دله على موضع الحجر فاستخرجه إبراهيم ووضعه في موضعه الذي هو فيه الآن، وجعل له بابين بابا إلى المشرق وبابا إلى المغرب، يسمى المستجار ثم ألقى عليه الشجر والأذخر، وعلقت على بابه كساء، فلما بناه وفرغ منه حج إبراهيم وإسماعيل ونزل عليهما جبرئيل (ع) يوم التروية، فقال جبرئيل عليه السلام: قم فارتوا من الماء. لأنه لم يكن بمنى وعرفات ماء، فسميت التروية لذلك. ثم قال إبراهيم (ع) لما فرغ من بناء البيت: (رب اجعل هذا بلدا آمنا وارزق أهله من الثمرات من آمن منهم بالله واليوم الآخر).