فاحشة فدعا الله عليهما بالهلاك فهلكا، ثم رأى آخرين فدعا عليهما بالهلاك. فأوحى الله إليه: يا إبراهيم اكفف دعوتك عن عبادي وإمائي، فاني انا الغفور الرحيم الجبار الحليم لا تضرني ذنوب عبادي كما لا ينفعني طاعتهم، ولست أسوسهم بشفاء الغيظ كسياستك فاكفف دعوتك عن عبادي، فإنما أنت عبد نذير، لا شريك في المملكة ولا مهيمن علي ولا على عبادي، وعبادي معي بين خلال ثلاث اما تابوا إلي فتبت عليهم وغفرت ذنوبهم وسترت عيوبهم، واما كففت عنهم عذابي لعلمي بأنه سيخرج من أصلابهم ذريات مؤمنون، فأرفق بالآباء الكافرين وأتاني بالأمهات الكافرات وارفع عنهم عذابي ليخرج أولئك المؤمنون من أصلابهم، فإذا تزايلوا حق بهم عذابي، وان لم يكن هذا ولا هذا، فان الذي أعددته لهم من عذابي أعظم مما تريد لهم فان عذابي لعبادي على حسب جلالي وكبريائي يا إبراهيم وخل بيني وبين عبادي، فاني انا الجبار الحليم العلام الحكيم أدبرهم بعلمي وانفذ فيهم قضائي وقدري. ثم التفت إبراهيم (ع) فرأى جيفة على ساحل البحر بعضها في الماء وبعضها في البر، تجئ سباع الماء فتأكل ما في الماء، ثم ترجع فيشتمل بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا وتجئ سباع البر فتأكل منها فيشتمل (فيشتد) بعضها على بعض فيأكل بعضها بعضا.
فعند ذلك تعجب إبراهيم عليه السلام مما رأى، وقال: يا رب (أرني كيف تحيى الموتى) هذه أمم تأكل بعضها بعضا؟ (قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي) يعني حتى أرى هذا كما رأيت الأشياء كلها (قال خذ أربعة من الطير) واخلطهن كما اختلطت هذه الجيفة في هذه السباع ثم (ادعهن يأتينك سعيا).
أقول: الظاهر من الأحاديث ان رؤية الملكوت كانت بالعين، وجوز بعضهم الرؤية القلبية، بأن أنار قلبه حتى أحاط بها علما.
وفى (علل الشرايع) سمعت محمد بن عبد الله بن طيفور يقول: في قول إبراهيم (رب أرني كيف تحيى الموتى) ان الله عز وجل امر إبراهيم ان يزور عبدا من عباده الصالحين. فزاره، فلما كلمه قال له ان الله تبارك وتعالى خلق في الدنيا