الشافعي مغضبا ثم قال: إليكم عني يا عبيد الرجعة! أولستم الذين باعوا أنفسهم من هذه الدنيا بطلب الشفعة! أما رأيتم من استدرج من الأمم الماضية والقرون الخالية!
أما رأيتم كيف علم مستورهم وأمطرت عليهم المنايا بالفناء فاضمحل سرورهم فأضحوا بعد خفض عيشهم ولين رفاهتهم في نسيم البطالين حصائد النعم ومدارج المتالف والنقم. قال فقال الرشيد: يا بن إدريس: لقد سللت علينا حسامك من لسانك وهو أمضى من سيفك وسنانك! فقال: يا أمير المؤمنين! هول ك إن شئت وإن قبلت. وإن شئت كففت عن ذلك! قال الرشيد: فإنا قد قبلنا موعظتك ونحن موجهوك إلى أرض اليمن لتكون على صدقاتهم، فسر على بركة الله وعونه! ولا ترفعن إلي باطلا ولا تمنعن ذا حق حقه. قال: ثم خلع عليه الرشيد وحمله وأحسن جائزنه، وأمر الكاتب أن يكتب له عهدا.
وسار الشافعي حتى دخل اليمن فأقام بها حولا كاملا، واتصل الخبر إلى الرشيد أن الشافعي يريد أن يخرج عليه علويا بأرض اليمن - وكان الخبر باطلا، فغضب الرشيد لذلك غضبا شديدا، ثم أرسل إلى الشافعي فحمله، وحمل معه بضعة من أصحابه حتى وافوا الرشيد، قال: وبلغ الخبر إلى محمد بن الحسن [فأقبل] على الرشيد فقال: يا أمير المؤمنين! تأن في أمر هذا الرجل ولا تعجل عليه، فإنه فقيه الحجاز وأنا مخالف له على مذهبه، ولعل الناس يقولون أنا الذي سعيت به إلى أمير المؤمنين! قال: فزبره الرشيد زبرة وقال: اخرج من بين يدي فأنت الذي أشرت علي به، فوالله لأقتلنه قتلة ما سبقني أحد إليها. قال: فخرجت إلى الشافعي فإذا هو في سراويله وقد عري من ثيابه، فتقدمت إليه وقلت: لا ع ليك أبا عبد الله! اتق الله واتكل عليه، فإني أرجو أن يكون لك من الله فرج وأن يسلمك الله منه، فإني قد كلمته فيك فزبرني حتى اتقيته على نفسي غير أنه رجل فصيح، وأنت بحمد الله قد رزقت الفصاحة، فهيىء له كلاما تستمليه به، قال: فإني لكذلك أكلمه. إذ دعا به فأدخل، فلما رآه الرشيد قال: بسم الله الرحمن الرحيم (يايها الذين امنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهلة فتصبحوا على ما فعلتم ندمين) (1) فقال الرشيد: أوليس الكلام والامر على ما قيل فيك يا بن إدريس؟
فقال: يا أمير المؤمنين! أوليس في الناس علوي إلا ويظن أن الناس له عبيد! فكيف أخرج رجلا يريد أن يجعلني عبدا وأغدر بسادات بني عبد المطلب وأنا منهم وهم