المنصور وسكت ساعة، ودعا بكاتبه فقال: اكتب إلى أبي مسلم كتابا لطيف، وخبره في الكتاب أني قد تجاوزت عنه وتركت له جميع الأموال وأنا مضعفها له. وقد وليته الشام وأرض خراسان ليستخلف على الشام من يريد وليقدم على بركة الله وعونه - والسلام - (1). قال: فلما ورد الكتاب على أبي مسلم تبسم ضاحكا ثم قال:
وابن سلامة يوليني الشام وخراسان أو ليس الشام وخراسان لي وفي يدي! أم أبرموا أمرا فإنا مبرمون، أيخدعني ابن سلامة وقد أضاء الصبح لذي عشاء. قال: ثم رمى بكتاب المنصور من يده وتمثل بهذا البيت وهو يقول:
الق الصحيفة لا تبال وإن يكن * مكرا كمثل صحيفة المتلمس قال: وكان الحسن بن قحطبة يومئذ مع أبي مسلم بالشام وقد ك ان يكتب بالاخبار سرا إلى المنصور، فكتب إليه يخبره بكلام أبي مسلم وكتب إليه في آخر الكتاب: إني أخبرك يا أمير المؤمنين أن الشيطان الذي كان ينفخ في رأس عبد الله بن علي قد انتقل إلى رأس أبي مسلم - والسلام -. قال: فضاق الامر على المنصور ولم يدر ما يصنع.
ونادى أبو مسلم لأصحابه بالرحيل راجعا إلى خراسان، ثم صار حتى تقارب من مدينة يقال لها كفرتوثا نظر إلى نهر هنالك يقال له سريا (2) فالتفت إلى هشام ابن عمه وكان من أجلاء أصحابه فقال: ما اسم هذا النهر؟ فقال: أصلح الله الأمير!
اسمه سريا، فقال أبو مسلم: فأين علم الشيطان الذي يقول الشاعر:
ولا تهبط السريا بمال تحبه * ولا أعلم الشيطان إن كنت تفعل قال: فقال هشام بن عمر: أيها الأمير! هو هذا التل عن يسار الطريق. قال:
ودخل أبو مسلم مدينة كفرتوثا فأقام بها ثلاثة أيام ورحل عنها، وتخلف عنه الحسن بن قحطبة لعلة كانت به قد اعترته في بدنه. قال: وسار أبو مسلم إلى نصيبين وأقام بها أياما حتى استراح أصحابه ثم رحل عنها، فلما خرج من باب الشرقي وعبر [فإذا]