القهقهري إلى ورائه حتى قام في آخر البساط، ثم رفع صوته وأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
ظهر الحق فاستبان مضيا * إذ رأينا الخليفة المهديا إلى آخرها.
قال: فلما فرغ سديف من إنشاده قال أبو العباس: خلق الانسان من عجل يا سديف - أو قال: خلق الانسان عجولا، ثم تمثل أبو العباس بقول سابق البربري حيث يقول:
حتى الضغائن أنى لهم سلقوا * فلم يكافوا ولا الأبناء أبناء (1) قال: ثم أمر له بجائزة سنية.
فلما كان بعد شهر أو أقل من ذلك أقبل إلى أمير المؤمنين سديف فوقف بالباب ثم استأذن، فأذن له فدخل والمجلس غاص بالناس، فأعطى حق التسليم، فقال أبو العباس: يا سديف! قل شيئا، فأنشأ سديف يقول أبياتا مطلعها:
ألا من لقلب مستهام متيم * تكلم لا تبعد عن الناس تكلم إلى آخرها.
قال: فلما فرغ من إنشاده قال له أبو العباس: أحسنت يا سديف! فهل من مزيد؟
فقال: نعم يا أمير المؤمنين! فقال: قد أذنت لك فهات وهزني ما استطعت! فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
أمير المؤمنين أولى رجاء * بأقوام تبيض وهي داء وحد السيف للداء الدواء إلى آخرها.
قال: فدمعت عينا أبي العباس وأمر بسديف بجائزة سنية، وانصرف إلى منزله ومشت إليه العلوية من ولد الحسن والحسين فقالوا: يا سديف!
إنه ليس أحد يقول بالتحريض على أمير المؤمنين وقتلهم سواك، فما عليك أن تقول قصيدة وفيها تحريض أمير المؤمنين على قتلهم فيقتلوا كما قتلونا في سالف الدهر، قال فقال سديف: كفيتم، اسكتوا، فأنا بريء من أولاد السجاد إذ لم أحرض على قتلهم ولا أبقي منهم أحدا! قال: ثم أقبل سديف حتى وقف على باب أبي العباس