على مناجزة القوم، وجعل يقول لأصحابه: لا تبدأوهم بالتقال حتى يبدأوكم، فإن القوم متكلون على ما في المدينة من الأطعمة، ولقد نفد ما عندهم وجاعوا وإلا خرجوا إليكم. قال: واشتد الحصار على الأزارقة في مدينة جيرفت حتى أكلوا جميع ما قدروا عليه، ثم إنهم خرجوا إلى حرب المهلب في تعبية وجيش لجب، قال:
وعبى المهلب أصحابه كراديس، وجعل في كل كردوس رجلا من أولاده، ثم أقبل عليهم وقال: يا بني! إنما أقاتل الله، وأنتم تقاتلون لله وعن أبيكم، وتذبون عن دين الاسلام، وليس يقاتل معكم إلا من رزقه الله النية في الجهاد، وليس أحد أولى بحرب منكم، فقاتلوا واصبروا وكونوا كما قال أخو قيس حيث يقول:
إن على أهل اللواء حقا * أن يخضبوا الصعدة أو بيرقا واعلموا يا بني! أنكم لا تملكون رقاب الناس وإنما تملكون طاعتهم، فكونوا كما قال الأول:
إذا أعطيت راحلة ورحلا * ولم أوضع فقام علي ناعي قال: فعندها جد بنو المهلب في القتال، وإذا غلام من الأزارقة وقد وقف على تل مرتفع ورفع صوته وجعل يقول (1):
أفرق الامر بيننا قطري * ولهجنا بلفظ قيل وقال ورمانا عمرو القنا بهواه * وأخوه عبيدة بن هلال ورضينا بعبد ربه والمر * ء رهين بجاذب الأهوال فلقد عاين المهلب ما كا * ن رجا من تقارب الآجال قال: ثم حمل ذلك الغلام على أصحاب المهلب فلم يزل يقاتل حتى قتل، واشتد الحرب على باب جيرفت يومهم ذلك من وقت الضحى إلى أن غابت الشمس. قال: وصاح رجل من أصحاب المهلب يقال له سلقط (2) بن عمرو فقال:
أيها الناس! إنه قد جاء الليل وغابت الشمس والليل لا يقاتل فيه إلا الشجاع المطبوع على الشجاعة، فأيكم يبايعني على الموت؟ قال: فانتدبت له جماعة من فتيان الأزد، وتقدم سلقط هذا فيمن اجتمع إليه نحو الأزارقة، فلم يزل يقاتلهم هو