قال: ثم جمع المهلب غنائم الأزارقة فجعل يقسمها في أصحابه على أقدارهم ومراتبهم، ثم أقبل حتى نزل في أصل شجرة في موضع سوق جيرفت وقال: يا غلام! خذ عني سلاحي، قال: فنزع الغلام درعه وخفيه، وعلق سيفه على الشجرة، ثم مد رجليه وقال: الحمد الله الذي ردنا إلى ما كنا عليه من الخفض والدعة، فإنه ما كان عيشنا بعيش، فأنشأ رجل من أصحابه (1) وهو يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
لقد مس منا عبد رب وجنده * عقاب فأمسى سبيهم في المقاسم إلى آخرها (2).
قال: ثم رفع رأسه فإذا بقوم بين يديه لا يعرفهم، فعلم أنهم من الأزارقة فاتقاهم على نفسه أن يفتكوا به، فتبسم ثم قال: ما أشد عادة السلاح، يا غلام! رد علي درعي وهات خفي، قال: فأتي بدرعه فأفرغ عليه، ومد خفيه في رجليه.
وتقلد بسيفه، ثم قال: إني أرى وجوها ما أعرفها، ثم قال لأصحابه: خذوهم!
فأخذوهم، فقال لهم المهلب: ما أنتم؟ فقالوا: نحن قوم من الأزارقة، غير أننا عجزنا عن قتالك فاجتمعنا على قتلك في وقتنا هذا. قال: فضحك المهلب ثم قال: أجل ما أردتم ما لم يرده الله، فاختاروا الان واحدة من اثنتين: القتل أم التوبة، فقالوا: بل التوبة! فأوهبهم المهلب لقوم من عشائرهم (3)، فأنشأ رجل منهم يقول أبياتا مطلعها:
خلونا وقلنا للمهلب غرة * فأعجلنا لما رآنا المهلب إلى آخرها.
قال: ثم دفع المهلب كل جريح من الأزارقة إلى عشيرته فقال داووه فاخلطوه بأنفسكم، ومن رابكم أمره (4) فاعرضوه على السيف. قال: ثم جمع المهلب الأموال فسرحها مع غلمانه إلى البصرة وأقام بجيرفت حتى أعطى حقوقهم، ثم قام