إذا ما أتت خيل لخيل لقيتها * بأقرانها أسدا يداني زئيرها ولا يبتغي الهندي إلا رؤوسها * ولا يلتقي الخطي إلا صدورها ففرق أمري عبد ربه وصحبه * أدار رحى موت عليها مديرها فقدما رأى منا المهلب فرصة * فها تلك أعداتي طويل سرورها وأعظم من هذا علي مصيبة * إذا ذكرتها النفس طال زفيرها فراق رجال لم يكونوا أذلة * وقتل رجال جاش منها ضميرها لقوني بالامر الذي في نفوسهم * ولا يقتل الفجار إلا فجورها عبرنا (1) زمانا والشراة بغبطة * يسر بها مأمورها وأميرها قال: ثم أرسل قطري إلى من كان معه في مدينة جيرفت وأوصاهم وعهد إليهم وقال: اعلموا أني قد عزمت غدا على الخروج إلى المهلب وأصحابه فانظروا كيف تكونون! فأرسلوا إليه أن يا أمير المؤمنين إننا قد عزمنا على الموت، فاعزم على ذلك. فلما كان من الغد فتح القوم أبواب المدينة وخرجوا منها إلى لقاء المهلب وأصحابه في زيادة على عشرة آلاف، وعبى المهلب أصحابه كما كان يعبيهم من قبل، ودنا القوم بعض من بعض، واختلطوا وتلاحموا واقتتلوا قتالا نسوا ما كان قبل ذلك، ولم يزالوا على ذلك يومين وليلتين.
فلما كان اليوم الثالث أقبل عبد ربه الصغير على أصحابه وهو في أربعة آلاف، فقال: ويحكم يا معشر المهاجرين! إن قطريا وأصحابه في الحرب منذ يومين وليلتين، وهذا عار علينا أن نسلم إخواننا، ولكن سيروا بنا إليهم. قال: فلم يشعر المهلب إلا وعسكر لجب قد وافاه في أربعة آلاف من الأزارقة، فقال لابنه يزيد: أبا خالد! هذا عبد ربه الصغير قد أقبل، فاضمم إليك من أحببت من العسكر واكفني أمره، ودعني وقطري بن الفجاءة وأصحابه: قال: فما انتصف النهار حتى قتل عبد ربه الصغير وقتل عامة أصحابه، فما انفلت منهم إلا شرذمة قليلون. ونظر قطري إلى ما قد نزل بعبد ربه الصغير وأصحابه فولى منهزما، ووضع السيف في أصحابه فقتل منهم مقتلة عظيمة، ونجا قطري وأصحابه في الذين بقوا معه، فمر هاربا على وجهه، فأنشأ كعب بن معدان الأشقري (2) يقول أبياتا مطلعها: