بعضهم من بعض، ثم أقبل رجل من الأزارقة حتى وقف بين الجمعين، قال:
وجعل يرتجز ويقول:
إن كان قد فارقتنا عبيده * وقطري ذو المدى البعيدة فعبد رب حمزه عنيده * وشوكه وكيده شديده (1) قال: ثم ح مل على أصحاب المهلب فكبا به فرسه فسقط إلى الأرض، فأخذ أسيرا وأتي به إلى المهلب حتى وقف بين يديه، فقال المهلب: اضربوا عنقه!
فقال: أيها الأمير! أنا ابن عم لك، أنا رجل من الأزد من بارق، وأنا صاحب الشعر البارحة. قال: فخلى عنه المهلب ولم يقتله. واختلط القوم فاقتتلوا قتالا شديدا، وصاح عبد ربه بأصحابه: يا معشر المهاجرين! روحوا إلى الله فإن القوم رائحون إلى النار. قال: فعندها كلبت الأزارقة واشتد القتال، ونزل عبد ربه عن فرسه فكسر جفن سيفه، ونزلت معه الأزارقة وكسروا جفون سيوفهم، وعزموا على الموت.
ونادى المهلب بأصحابه: يا معشر المسلمين! إن هذا يوم له ما بعده من الأيام وبصبركم أمس بلغتم اليوم، وبصبركم اليوم تبلغون غدا. قال: وكثرت القتلى في الأزارقة وعضهم السلاح وكأنهم كاعوا عن الحرب، ونظر المهلب إلى ذلك، فجمع أولاده وابطال أصحابه، ثم حمل وحملوا معه، فقتل عبد ربه وقتل معه قريب من أربعة آلاف رجل في ربضة واحدة، وسألت دماؤهم إلى وادي جيرفت حتى أحمر ماء الوادي، وبقي الباقون بلا نظام فولوا هاربين، فمنهم من دخل إلى مدينة جيرفت، ومنهم من استأمن إلى المهلب فأمنه، ومنهم من هرب على وجهه في البلاد، ودخل المهلب إلى مدينة جيرفت فاحتوى على ما كان فيها من أمتعة الأزارقة ودوابهم وسلاحهم وأموالهم ونسائهم وأولادهم (2)، فأنشأ كعب بن معدان الأشقري (3) يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
ألم يأتها أن الأزارق شردوا * وصارت عليهم في البلاد الفضائح إلى آخرها.