وأصحابه حتى ألجأهم إلى وادي جيرفت، وصاح المهلب بابنه يزيد فقال: يا بني!
ابسط خيلك على القوم، قال: فبسط يزيد خيله على الأزارقة، وثبتت الأزارقة للحرب، وجعل أصحاب يزيد بن المهلب لا يرون داعيا من الأزارقة إلا ورموه بالحجارة، فلم يزالوا كذلك إلى الصباح حتى قتل من الأزارقة بشر كثير، وقتل سلقط بن عمرو الأزدي، فأنشأ سماعة بن يزيد يقول أبياتا مطلعها:
توى سلقط في حومة الحرب مسندا * فيا عين جودي بالدموع لسلقط إلى آخرها.
قال: وولت الأزارقة منهزمين حتى دخلوا مدينة جيرفت بشر وعر، فأقاموا يومهم ذلك. فلما كان الليل إذا برجل من الأزارقة قد أشرف على سور المدينة وهو يقول أبياتا مطلعها:
إلى الله أشكو كربة أن تفرجا * وهما دخيلا لا أرى منه مخرجا (1) إلى آخرها.
قال: فلما سمع المهلب شعره التفت إلى رجل من أصحابه فقال: اسأله ممن هو؟ فناداه ذلك الرجل: أيها المتكلم ممن تكون؟ فقال: أنا رجل من الأزد من أهل الكوفة، وأنا ابن عم سراقة البارقي، وأيم الله أني لخائف أن أبتلي الفتنة.
قال: فلما أصبح المهلب عبى أصحابه للحرب ودنا من باب جيرفت، وبلغ ذلك عبد ربه رئيس الأزارقة فقام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال (2): يا معشر المهاجرين! إن قطري بن الفجاءة عبيدة بن هلال وعمرو القنا وشيعتهم إنما هربوا رجاء البقاء. وليس إلى البقاء من سبيل وقد زحف إليكم القوم، وهؤلاء قوم بحدهم وحديثهم، فإن غلبوكم على الحياة فلا يغلبوكم على الموت، فانظروا أن لا يبقى الرماح إلا بالنحور والسيوف إلا بالوجوه، وتعجلوا إلى قبل أحداث هذه الدنيا، وهبوا أنفسكم لله في الدنيا يهبها لكم في الآخرة، ولا تيأسوا من النصر، فكم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين.
قال: فخرجت الأزارقة مستميتين (3) وقد عزموا على الموت. ودنا القوم