قال: وانضمت الأزارقة إلى عبد ربه الكبير فبايعوه بالخلافة وقالوا: نحن معك أو نفنى عن آخرنا. قال: فغضب لذلك عطية بن الأسود وخرج من العسكر مخالفا لعبد ربه، وتبعه عبد ربه في نفر من أصحابه فقال: يا أبا الأسود! ارجع رحمك الله ولا تشق العصا، فإن الناس قد بايعوني، فلا تخالف ما عليه إخوانك، فقال له عطية بن الأسود: لا حاجة لي في المقام معك. قال: فحمل عليه عبد ربه فطعنه في خاصرته طعنة فقتله ورجع إلى عسكره، فلما كان الليل لم يبق أحد من أصحاب عطية إلا خرج من العسكر وهم يقولون: الصلاة خلف عبد ربه حرام بعد هذا، ثم صاروا إلى المهلب فاستأمنوا إليه، فأمنهم وأحسن جوائزهم.
قال: وجمع عبد ربه الكبير من بقي معه من أصحابه ثم قام فيهم خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد يا معشر المهاجرين! فإن كنتم فقدتم الرجال فلم تفقدوا الاسلام، وقد أراحكم الله من خمسة أشياء: من جفاء قطري بن الفجاءة، وأخلاط عبيدة بن هلال، ونخوة عمرو القنا، وغي عبد ربه الصغير، وفتنة عطية بن الأسود، وقد صيركم الله إلى بصائركم الأولى، فاحمدوا الله على ذلك!
وقد علمتم أن المهلب قد نزل بمدينة جيرفت واحتوى على غنائم إخوانكم وبني أعمامكم، وأنا سائر إليه فسيروا على بركة الله.
قال: ثم سار وسارت الأزارقة معه نحو مدينة جيرفت، وبلغ ذلك المهلب فنادى في أصحابه وأمرهم بالرحيل، ثم خرج من جيرفت كالمنهزم عنها، وأقبل عبد ربه في الأزارقة وقد بلغه خروج المهلب من جيرفت، فظن أنه قد انهزم بين يديه، فأقبل حتى دخل المدينة فنزلها في أصحابه. وعلم المهلب بذلك فرجع حتى نزل بجيرفت وجميع جنده، ثم إنه قام في الناس خطيبا وقال: أيها الناس! إنكم نلتم ما رجوتم في عدوكم من الفرقة والتشتيت، وقد (1) كفاكم الله خمسة من قرناء الشيطان: قطري بن الفجاءة، وعبيدة بن هلال، وعطية بن الأسود، وعمرو القنا، وعبد ربه الصغير، وقد بقي عبد ربه الكبير، وأنا أرجو أن يقتله الله غدا إن شاء الله، والقوم لاقوكم فاصبروا. فقال (2) الناس: سمعا وطاعة! قال: فعندها عزم المهلب