واحد منهم على حدة. قال: وارتحل قطري بن الفجاءة حتى صار إلى مدينة جيرفت (1) فنزلها فيمن بقي معه من أصحابه. قال: وجعل كل واحد من هؤلاء القوم يعزم على قتال المهلب بنفسه وأصحابه ليتبين صبره وجهاده من جهاد غيره، وأنشأ كعب بن معدان يقول أبياتا مطلعها:
دعوا التبايع والاسراع وارتقبوا * إن المحارب يشنأني وينتظر إلى آخرها.
قال: واشتد الحصار على قطري بن الفجاءة وأصحابه بمدينة جيرفت، واتصل الخبر بأصحابه أنه يريد الهرب، فقام إليه رجل من الأزارقة يقال له عامر بن عمرو السعدي فقال: يا أمير المؤمنين! إننا قد بلغنا عنك أنك تريد الهرب، فإن قاتلت قاتلت معك، وإن هربت فأنا أبرأ إلى الله منك! فقال قطري بن الفجاءة: من ههنا اضربوا عنقه! قال: فضرب عنق السعدي. فوثب ابن عم له فقال له: يا أمير المؤمنين! يكلمك ابن عمي بكلمة فيها رضى فتأمر بضرب عنقه! لا يجب أن يكون جوابك القتل، وعقابك السيف، فإن الطاغي يوجع، والمستعتب يعتب، ألا والله لم يبق معك أحد إلا فارقك! فإن فعالك هذه من فعال الجبارين، ثم أنشأ يقول (2):
أيا قطري بن الفجاءة ما لنا * من النصف شيء غير فعل الجبابر أما تستحي يا بن الفجاءة التي * لبست بها عارا وأنت مهاجر (3) أفي كل يوم للمهلب أسلمت (4) * له شفتاك الفم والقلب طائر فحتى متى هذا الفرار حذاره * وأنت ولي والمهلب كافر [و] إن قال يوما عامر فضربته * بأبيض مصقول فلله عامر أسرت ولم تأمر به فدماؤه * تسيل على ثوبيه والرأس نادر