وأمكنته الفرصة من لبوس فلم يكذب أن حمل عليه فضربه بسيفه ضربة فلق تاجه وهامته، فخر لبوس قتيلا ينحط (1) في دمه. قال: وولت النصرانية من غير قتال وأخذهم السيف، فقتل منهم مقتلة عظيمة، ومر الباقون على وجوههم لا يعرجون على شيء حتى لحقوا بحر القسطنطينية. قال: واقتحم المسلمون على مدينة بدروق فاحتووا على غنائمها فكانت أموالا كثيرة يجل وصفها عن شرحها. فأخرج مسلمة منها الخمس فوجه به إلى عبد الملك بن مروان (2)، وقسم الباقي في المسلمين، فأنشأ البطال بن عمرو يقول:
لقد علم الروم الأراجس أننا * قتلنا لدى الهيجاء منها رئيسها تركنا لبوسا في القتام مجدلا * فقبح ربي ذو الجلال لبوسها ونحن أبدنا في العجاج كماتهم * ونحن هزمنا جيشها وحميسها ونحن إذا ما الحرب ثبت وأرهجت * نخوض لظاها عنوة ووطيسها ونحن قسمنا فيئها ونساءها * ببدروق لما أن أثرنا شريسها وكان لبوسا كهفها وعمادها * وكان لعمري ليثها وهموسها وكانت له الابطال تسطو لأنه * إذا ناب أمر لم تجده حسيسها وسوف تكر الخيل فينا شوازبا * عناجيج تبدي في الغبار جسيسها نريد بها أليون (3) كيما نثيره * ونشفى لدى الحرب العوان نفوسها قال: وسار المسلمون يريدون بحر القسطنطينية، حتى إذا دنوا من خليج البحر لاحت لهم المدينة فنظروا إليها وإلى سورها، غير أنها في جزيرة وليس لها طريق إلا من جانب واحد وقد أوقف أليون ملك الروم المقاتلة على ذلك الطريق لكيلا يخلص أحد إلى الجزيرة.
قال: فجمع مسلمة من كان في يديه من الروم وأمرهم باتخاذ السفن وعزم على العبور إلى القوم. قال: فأخذ القوم في اتخاذ السفن ففرغوا منها بعد ثلاثة أشهر، ثم نادى مسلمة في الناس، فركبوا في السفن من دوابهم وأثقالهم ورفعت الشرع، وسار القوم يريدون الجزيرة. وبلغ ذلك أليون ملك الروم فأمر بمراكبه، فحمل فيها