خراسان على أمير المؤمنين! أنت طاق إن صحت بعدها، قال: فرفعت صوتها صائحة، فقال الحجاج: وأنت طاق إن صحت بعدها! فرفعت لا والله أو ثلاث!
فطلقها ثلاثا فبانت منه، ثم ندم بعد ذلك أشد الندامة وأمر بيزيد إلى السجن وضيق عليه وجعل يستأديه الشيء حتى استأداه أربعة آلاف ألف درهم وبقيت عليه ثلاثة آلاف ألف (1)، ولم يقدر يزيد على أن يؤدي لك، وأيس الحجاج أن يستأديه أكثر من ذلك.
ذكر هرب يزيد من السجن إلى بلاد الشام واتصاله بسليمان بن عبد الملك قال: وكان يزيد بن المهلب مكرما للسجان وجميع من في السجن، وكان له مع ذلك طباخ وموائد منصوبة، فلم يزل كذلك حتى استمال قلوب أهل السجن، ثم إنه كتب إلى أخيه مروان بن المهلب ومن بالبصرة من إخوته وأهل بيته ومواليه فأمرهم أن يكونوا على أهبة الهرب. قال: ثم إنه كان يدعو بالسجان في كل وقت فيبره ويخلع عليه ويعده من نفسه بالجميل، والسجان يجيبه إلى ذلك ويمايله حتى بذل له يزيد ألف دينار على أن يعمل في خلاصه، فأجابه السجان إلى ذلك، ثم إنه وعده أن يهرب معه في ليلة كذا وكذا (2). فلما كانت تلك الليلة قعد السجان على باب السجن، ثم بعث إلى منزله فأتى بشراب فجعل يشرب ويسقي أعوانه ومن يلوذ به حتى أسكرهم ومضى من الليل بعضه، ثم بعث إلى يزيد بن المهلب أن قم فهذا وقتك، قال: فوثب يزيد ثم دعا بثياب طباخه فلبسها وغطى رأسه (3) وخرج من باب السجن ولم يمنعه مانع، فلما مر على السجان وأعوانه نظروا إليه فقالوا للسبحان: ما أشبه مشية هذا بمشية يزيد بن المهلب، فضحك السجان ثم قال: أخطأتم، هذا طباخ يزيد بن المهلب.
قال: ومضى يزيد بن المهلب حتى صار إلى شاطئ دجلة، وذلك في جوف الليل، لم يعرف ذلك الزورق من كثرة الزوارق، قال: وإذا بالسجان قد انسل من بين أصحابه وأقبل إلى شاطئ الدجلة فنظر إلى يزيد هنالك قائما فأخذ بيده وأقبل،