المنتقم، من الظالم الخائن، والغادر الآفن، أنا ذو النفاذ واللسان، والعدل والاحسان، والسرعة إلى الأقرن، عند تشاجر المران. قال فقال عبد الملك: إن لكل أمير آلة وقلائد، فما آلتك وقلائدك؟ فقال: يا أمير المؤمنين! الشدة واللين، والعفو والقتل، والريث والعجل، والرفق والحزق، والمكاشفة والمداراة، والإدناء والابعاد، والجفاء والتواضع، والصلة والحرمان، أنا الليث الهصور، المتقمص بجلد النمور، فمن رمقني بسوء حددته، ومن نازعني بددته، ومن لوى شدقيه جذعته، ومن تكبر علي قمعته، ومن نازعني قصمته، ومن دنا مني أكرمته، ومن نأى عني طلبته، و [من] ثبت لي طاعنته، ومن ولى عني لحقته، ومن أدركته قتلته، ومن ماحكته غلبته، ومن طلب الأمان أعطيته، ومن تواضع لي أدنيته، ومن سارع إلى طاعة أمير المؤمنين أن تسبرني وتجربني! فإن كنت للأعناق قطاعا، وللأرواح نزاعا، وللخراج جماعا، وفي الأمور نفاعا، وإلا استبدلت بي غيري. وفي رواية أخرى أنه قال: إن آلتي أن أزرع بدرهمك من يواليك، وأحصد بسيفك من يعاديك، سود لي قرطاسا واعقد لي خرقة في رأس قناة. فقال له: أنت لها ولكل شدة، فكتب عهد بيده. قال فقال له عبد الملك بن مروان: أنت لها يا حجاج، فسر إليها مشمر الإزار، وشديد الحذار، فارفع الشريف، وقو الضعيف، فقد وليتك العراقين جميعا والبصرة، فاضغطها ضغطة يحيق بها أهل البصرة، وإياك وهوينا أهل الحجاز! فإن القائل يقول ألفا ولا يقطع حرفا.
قال: ثم التفت عبد الملك بن مروان إلى كاتبه فقال: اكتب عهده على العراقين، وأطلق يده في الرجال والسلاح والأموال ولا تجعل له علة، واعلم أهل العراق أنه قادم إليهم أميرا عليهم فليلزموا طاعته وليحذروا صولته. قال: فكتب عهد الحجاج على العراقين يوم الاثنين، وخرج يوم السبت، فلم يزل يسير حتى دخل الكوفة (1).