فتكلم كثير بن أول الناس حتى كادت الشمس أن تجب فقال: أيها الناس الحقوا بأهاليكم ولا تعجلوا الشر ولا تعرضوا أنفسكم للقتل فان هذه جنود أمير المؤمنين يزيد قد أقبلت، وقد أعطى الله الأمير عهدا لئن أتممتم على حربه ولم تنصرفوا من عشيتكم أن يحرم ذريتكم العطاء ويفرق مقاتلتكم في مغازي أهل الشام على غير طمع وأن يأخذ البرئ بالسقيم والشاهد بالغائب حتى لا يبقى له فيكم بقية من الله المعصية الا أذاقها وبال ما جرت أيديها وتكلم الاشراف بنحو من كلام هذا فلما سمع مقالتهم الناس أخذوا يتفرقون وأخذوا ينصرفون قال أبو مخنف - فحدثني المجالد بن سعيد، أن المرأة كانت تأتي ابنها أو أخاها فتقول. انصرف الناس يكفونك، ويجئ الرجل إلى ابنه أو أخيه فيقول غدا يأتيك أهل الشام فما تصنع بالحرب والشر انصرف فيذهب به فما زالوا يتفرقون ويتصدعون حتى أمسى ابن عقيل وما معه ثلاثون نفسا في المسجد حتى صليت المغرب فما صلى مع ابن عقيل الا ثلاثون نفسا فلما رأى أنه قد أمسى وليس معه الا أولئك النفر خرج متوجها نحو أبواب كندة، فلما بلغ الأبواب ومعه منهم عشرة، ثم خرج من الباب وإذا ليس معه انسان والتفت فإذا هو لا يحس أحدا يدله على الطريق ولا يدله على منزل ولا يواسيه بنفسه ان عرض له عدو، فمضى على وجهه يتلدد في أزقة الكوفة لا يدرى ابن يذهب حتى خرج إلى دور بنى جبلة من كندة، فمشى حتى انتهى إلى باب امرأة يقال لها: طوعة أم ولد كانت للأشعث بن قيس فأعتقها فتزوجها أسيد الحضرمي فولدت له بلالا.
(٤٥)