موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ٢ - الصفحة ٤٢٤
وردد ابن شهرآشوبصلاة الخوف بين غزوتين: غزوة بني لحيان في جمادى الأولى (من السنة الرابعة) في عسفان. ثم قال: ويقال: في ذات الرقاع مع غطفان، وكان ذلك بعد النضير بشهرين (1).
(١) مناقب آل أبي طالب ١: ١٩٧.
وذكر ابن هشام عن هذه الغزوة حديثا مفصلا عن جابر بن عبد الله الأنصاري حدث به بعد وقعة الحرة سنة ٦٢ ه كما في آخر الخبر.
قال: خرجت مع رسول الله إلى غزوة ذات الرقاع من نخل، على جمل لي ضعيف، فلما قفل رسول الله، جعلت الرفاق تمضي وجعلت أتخلف، حتى أدركني رسول الله، فقال: ما لك يا جابر؟ قلت: يا رسول الله أبطأ بي هذا. قال: أنخه. فأنخته وأناخ رسول الله ثم قال:
أعطني هذه العصا من يدك. ففعلت، فأخذها رسول الله فنخسه بها نخسات ثم قال: اركب.
فركبت، فخرج - والذي بعثه بالحق - يواهق (أي يوازي) ناقته، وتحدثت مع رسول الله، فقال لي: أتبيعني جملك هذا يا جابر؟ قلت: يا رسول الله، بل أهبه لك. قال: لا ولكن بعنيه. قلت: فسمنيه يا رسول الله قال: قد أخذته بدرهم. قلت: لا، إذن تغبنني يا رسول الله. فقال: فبدرهمين. قلت: لا. قال: فلم يزل يرفع لي رسول الله في ثمنه حتى بلغ الأوقية، فقلت: فقد رضيت يا رسول الله. قال: نعم. قلت: فهو لك. قال: قد أخذته.
ثم قال: يا جابر، هل تزوجت؟ قلت: نعم يا رسول الله. قال: أثيبا أم بكرا؟ قلت:
بل ثيبا. قال: أفلا جارية تلاعبها وتلاعبك؟! قلت: يا رسول الله، إن أبي أصيب يوم أحد وترك له بنات سبعا، فنكحت امرأة جامعة تجمع رؤوسهن وتقوم عليهن. قال: أصبت إن شاء الله، أما إنا لو قد جئنا صرارا أمرنا بجزور فنحرت وأقمنا عليها يومنا ذاك، وسمعت بنا فنفضت نمارقها. قلت: والله يا رسول الله ما لنا من نمارق. قال: انها ستكون، فإذا أنت قدمت فاعمل عملا كيسا.
قال جابر: فلما جئنا صرارا أمر رسول الله بجزور فنحرت وأقمنا عليها ذلك اليوم، فلما أمسى رسول الله دخل ودخلنا، فحدثت المرأة الحديث وما قال لي رسول الله، فلما أصبحت أخذت برأس الجمل فأقبلت به حتى أنخته على باب مسجد رسول الله ثم جلست في المسجد قريبا من (مجلسه) وخرج رسول الله فرأى الجمل فقال: ما هذا؟ قالوا: يا رسول الله، هذا جمل جاء به جابر. قال: فأين جابر؟ فدعوني إليه فقال: يا بن أخي! خذ برأس جملك فهو لك. ودعا بلالا فقال له: إذهب بجابر فأعطه أوقية. فذهبت معه فأعطاني أوقية وزادني شيئا يسيرا، فوالله ما زال ينمى عندي ويرى مكانه في بيتنا حتى أصيب أمس فيما أصيب لنا. يعني يوم الحرة - ٣: ٢١٦ - ٢١٨ والواقدي ١: ٣٩٩ - ٤٠١، إلا أنه قال في آخر الخبر: حتى أصيب ها هنا قريبا، يعني الجمل! بدل: يعني الحرة.
ونقل قبله عن جابر قال: إنا لمع النبي (صلى الله عليه وسلم) إذ جاء رجل من أصحابه بفرخ طائر ورسول الله ينظر إليه، فأقبل أبواه أو أحدهما حتى طرح نفسه في يدي الذي أخذ فرخه فرأيت الناس عجبوا من ذلك، فقال رسول الله: أتعجبون من هذا الطائر؟ أخذتم فرخه فطرح نفسه رحمة لفرخه! والله لربكم أرحم بكم من هذا الطائر بفرخه!
قال جابر: وصحنا صاحبا لنا يرعى ظهرنا وعليه ثوب متخرق، فقال رسول الله: أما له غير هذا (الثوب)؟ فقلنا: بلى يا رسول الله، إن له ثوبين جديدين في العيبة. فقال له رسول الله: خذ ثوبيك. فأخذ ثوبيه (القميص والإزار) فلبسهما وأدبر. فقال (لنا) رسول الله: أليس هذا أحسن؟ ما له ضرب الله عنقه! وسمع ذلك الرجل، فقال: في سبيل الله يا رسول الله. فقال رسول الله: في سبيل الله. فضربت عنقه بعد ذلك في سبيل الله.
و (كنت) تحت ظل شجرة فأتانا رسول الله فقلت: هلم إلى الظل يا رسول الله. فدنا إلى الظل فاستظل، فذهبت لأقرب إليه شيئا فما وجدت إلا جروا من قثاء في أسفل الغرارة، فكسرته ثم قربته إليه، فقال رسول الله: من أين لكم هذا؟ فقلنا: شئ فضل من زاد المدينة، فأصاب منه رسول الله.
فبينا رسول الله يتحدث عندنا إذ جاءنا علبة بن زيد الحارثي بثلاث بيضات أداحي، فقال: يا رسول الله، وجدت هذه البيضات في مفحص نعام. فقال رسول الله: دونك يا جابر فاعمل هذه البيضات. فوثبت فعملتهن، ثم جئت بالبيض في قصعة وجعلت أطلب خبزا فلا أجده. فجعل رسول الله يأكل من ذلك البيض بغير خبز... وأمسك يده... ثم قام والبيض في القصعة كما هو... فأكل منه عامة أصحابنا. ثم رحنا مبردين.
وروى بسند آخر عن جابر أيضا قال: لما انصرفنا راجعين فكنا بالشقرة، قال لي رسول الله: يا جابر، ما فعل دين أبيك؟ فقلت: يا رسول الله انتظرت أن يجذ نخله. فقال لي رسول الله: فمتى تجذها؟ قلت: غدا. قال: يا جابر، فإذا جذذتها فاعزل العجوة على حدتها وألوان التمر على حدتها... وإذا جذذت فأحضرني. قلت: نعم. ثم قال: فمن أصحاب دين أبيك؟ قلت: أبو الشحم اليهودي، له على أبي سقة تمر (جمع الوسق، وهو الحمل، وقدره الشرع بستين صاعا - النهاية ٢: ١٦٩).
قال جابر: ففعلت (كما أمر) فجعلت الصيحاني على حدة، والعجوة على حدة، وأمهات الجرادين على حدة، ثم عمدت إلى مثل نخبة وشقحة وقرن وغيرها من الأنواع فجعلته حبلا واحدا وهو أقل التمر. ثم جئت رسول الله فخبرته، فانطلق رسول الله ومعه علية أصحابه، فدخلوا الحائط، وحضر أبو الشحم.
فلما نظر رسول الله إلى التمر مصنفا قال: اللهم بارك له. ثم جلس وسطها ثم قال: ادع غريمك. فجاء أبو الشحم، فقال له: اكتل. فاكتال حقه كله من العجوة وبقي التمر كما هو.
ثم قال لي رسول الله: يا جابر، هل بقي على أبيك شئ؟ قلت: لا.
وبعنا منه وأكلنا منه دهرا حتى أدركت الثمرة من قابل، ولقد كنت أقول: لو بعت أصلها ما بلغت ما كان على أبي من الدين - الواقدي ١: ٣٩٨ - ٤٠٢.
وروى خبر الجمل والدين قطب الدين الراوندي في الخرائج والجرائح ١: ١٥٤ ح 242 و 158 ح 274 عن عمار بن ياسر. والخبر كما ترى ليس فيه ذكر عن الزكاة المفروضة، مما يؤيد عدم فرض الزكاة حتى ذلك العهد.