موسوعة التاريخ الإسلامي - محمد هادي اليوسفي - ج ٢ - الصفحة ٢٥٩
فقام سعد بن معاذ، من الأوس فقال: يا رسول الله، ما طمع فينا أحد من العرب ونحن مشركون نعبد الأصنام، فكيف يطمعون فينا وأنت فينا؟! لا، حتى نخرج إليهم فنقاتلهم، فمن قتل منا كان شهيدا، ومن نجى منا كان قد جاهد في سبيل الله (1).
(١) تفسير القمي ١: ١١١. وفي مغازي الواقدي 1: 210: وقال رجال من أهل السن وأهل النية منهم سعد بن عبادة: إنا نخشى - يا رسول الله - أن يظن عدونا أنا كرهنا الخروج إليهم جبنا عن لقائهم فيكون هذا جرأة منهم علينا، وقد كنت يوم بدر في ثلاثمئة رجل فظفرك الله عليهم، ونحن اليوم بشر كثير، قد كنا نتمنى هذا اليوم وندعو الله به، فقد ساقه الله إلينا في ساحتنا.
وقال مالك بن سنان الخدري أبو (أبي سعيد): يا رسول الله، نحن والله بين إحدى الحسنيين: إما أن يظفرنا الله بهم فهذا الذي نريد، فيذلهم الله لنا فتكون هذه وقعة مع وقعة بدر فلا يبقى منهم الا الشريد، والأخرى - يا رسول الله -: يرزقنا الله الشهادة، والله - يا رسول الله - ما أبالي أيهما كان، فان كلا لفيه الخير.
هذا ورسول الله لما يرى من الحاحهم كاره، ولكنه سكت ولم يرد عليهم قولا. فقال حمزة بن عبد المطلب: والذي أنزل عليك الكتاب، لا أطعم اليوم طعاما حتى أجالدهم بسيفي خارجا من المدينة. وكان صائما.
وقال النعمان بن مالك: يا رسول الله، أنا أشهد أن البقر المذبح قتلى من أصحابك وأني منهم، فلم تحرمنا الجنة؟ فوالذي لا إله الا هو لأدخلنها.
قال رسول الله: بم؟ قال: اني أحب الله ورسوله، ولا أفر يوم الزحف. قال: صدقت.
وقال إياس بن أوس: يا رسول الله، نحن بنو عبد الأشهل من البقر المذبح، نرجو أن نذبح في القوم ويذبح فينا فنصير إلى الجنة ويصيرون إلى النار، مع أني - يا رسول الله - لا أحب أن ترجع قريش إلى قومها فيقولون: حصرنا محمدا في صياصي يثرب وآطامها، فيكون هذا جرأة لقريش، وقد وطأوا سعفنا، فإذا لم نذب عن عرضنا لم نزرع، وقد كنا - يا رسول الله - في جاهليتنا والعرب يأتوننا ولا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا حتى نذبهم عنا، فنحن اليوم أحق - إذ أيدنا الله بك وعرفنا مصيرنا - أن لا نحصر أنفسنا في بيوتنا. وقال أنس بن قتادة: يا رسول الله، هي إحدى الحسنيين: إما الشهادة واما الغنيمة والظفر في قتلهم.
فقال رسول الله: اني أخاف عليكم الهزيمة!.
فقام أبو (سعد) خيثمة (من شهداء بدر) قال: يا رسول الله، إن قريشا مكثت حولا تجمع الجموع وتستجلب العرب في بواديها ومن تبعها من أحابيشها، ثم جاؤونا قد قادوا الخيل وامتطوا الإبل حتى نزلوا بساحتنا، فيحصروننا في بيوتنا وصياصينا ثم يرجعون وافرين لم يكلموا؟! فيجرؤهم ذلك علينا حتى يشنوا الغارات علينا ويصيبوا أطرافنا، ويضعوا العيون والأرصاد علينا، مع ما قد صنعوا بحروثنا، ويجترئ علينا العرب من حولنا حتى يطمعوا فينا إذا رأونا لم نخرج إليهم فنذبهم عن جوارنا، وعسى الله أ يظفرنا بهم فتلك عادة الله عندنا، أو تكون الأخرى فهي الشهادة. لقد أخطأتني وقعة بدر وقد كنت عليها حريصا، لقد بلغ من حرصي أن ساهمت ابني في الخروج فخرج سهمه فرزق الشهادة، وقد كنت حريصا على الشهادة. وقد رأيت ابني البارحة في النوم في أحسن صورة يسرح في ثمار الجنة وأنهارها وهو يقول: الحق بنا ترافقنا في الجنة، فقد وجدت ما وعدني ربي حقا! وقد - والله يا رسول الله - أصبحت مشتاقا إلى مرافقته في الجنة، وقد كبرت سني ودق عظمي وأحببت لقاء ربي، فادع الله - يا رسول الله - أن يرزقني الشهادة ومرافقة سعد في الجنة. فدعا له رسول الله بذلك، 1: 210 - 213.