ولعمرك لا أراك الا آخذا فيها بازمة أوابد اللسن تقودها حيث أردت وتوردها انى شئت وارتدت حتى كان الألفاظ تتحاسد على التسابق إلى لسانك والمعاني تتغاير في الانثيال على جنانك والسلام.
وكتب محبك الاخلاصي بهاء الدين محمد. وقال الخطي يشكر انعام الشيخ البهائي وقد سير له بعض الملابس الخضر وهو يومئذ بأصفهان سنة 1016:
يا فتح من أغلقت أبواب مطلبه * في وجهه وغنى القوم المفاليس لو سمتني حصر ما أوليت من نعم * كتبا لضاق بها باع القراطيس أ وليتني منك آلاء خرجت لها * اجر ذيلي في خضر الملابيس فلو رآني أدري الناس بي لقضى علي اني من بعض الطواويس وقال الطالوي: ولد بقزوين وأخذ عن علماء تلك الديار ثم خرج من بلده وتنقلت به الأسفار إلى أن وصل إلى أصفهان فوصل خبره إلى سلطانها الشاه عباس فطلبه لرياسة العلماء فوليها وعظم قدره وارتفع شانه الا انه لم يكن على مذهب الشاه في زندقته لانتشار صيته في سداد رأيه الا انه غالى في حب آل البيت وألف المؤلفات الجليلة ثم خرج سائحا فجاب البلاد ودخل مصر وألف بها كتابا سماه الكشكول جمع فيه كل نادرة من علوم شتى أقول الظاهر أنه لم يؤلفه بمصر والا لذكر ذلك في خطبته، قال وكان يجتمع مدة اقامته بمصر بالأستاذ محمد بن أبي الحسن البكري وكان الأستاذ يبالغ في تعظيمه فقال له مرة يا مولانا انا درويش فقير فكيف تعظمني هذا التعظيم قال شممت منك رائحة الفضل وامتدح الأستاذ بقصيدته المشهورة التي مطلعها:
يا مصر سقيا لك من جنة * قطوفها يانعة دانية مجيئه في سياحته إلى القدس وما جرى له فيها ثم قدم القدس. وحكى الرضي بن أبي اللطف المقدسي قال: ورد علينا من مصر رجل من مهابته محترم فنزل من بيت المقدس بفناء الحرم عليه سيماء الصلاح وقد اتسم بلباس السياح وقد تجنب الناس وانس بالوحشة دون الايناس وكان يألف من الحرم فناء المسجد الأقصى ولم يسند أحد مدة الإقامة اليه نقصا فألقي في روعي انه من كبار العلماء الأعاظم فما زلت لخاطره أتقرب ولما لا يرضيه أتجنب فإذا هو ممن يرحل اليه للأخذ منه وتشد له الرحال للرواية عنه يسمى بهاء الدين محمد الهمداني الحارثي فسألته عند ذلك القراءة عليه في بعض العلوم فقال بشرط ان يكون ذلك مكتوما وقرأت عليه شيئا من الهيئة والهندسة ثم سار إلى الشام قاصدا بلاد العجم وقد خفي عني امره واستعجم آه.
مجيئه في سياحته إلى دمشق وما جرى له فيها وقال المنيني: ولما ورد دمشق نزل بمحلة الخراب عند بعض تجارها الكبار واجتمع به الحافظ الحسين الكربلائي القزويني والتبريزي نزيل دمشق صاحب الروضات الذي صنفه في مزارات تبريز واستنشده شيئا وكثيرا ما سمعت انه تطلب الاجتماع بالحسن البوريني فاحضره له التاجر الذي كان عنده بدعوة وتأنق في الضيافة ودعا غالب فضلاء محلته فلما حضر البوريني المجلسي رأى فيه البهائي بهيئة السياح وهو في صدر المجلس والجماعة محدقون به وهم متأدبون غاية التأدب فعجب البوريني من ذلك وكان لا يعرفه ولم يسمع به فلم يعبأ به ونحاه عن مجلسه وجلس غير ملتفت اليه وشرع على عادته في بث دقائقه ومعارفه إلى أن صلوا العشاء ثم جلسوا فابتدر البهاء في نقل بعض المناسبات واخذ في الأبحاث فأورد بحثا في التفسير عويصا فتكلم عليه بعبارة سهلة فهمها الجماعة كلهم ثم دقق في التعبير حتى لم يبق من يفهم ما يقول الا البوريني ثم أغمض في العبارة فبقي الجماعة كلهم والبوريني معهم صموتا جمودا لا يدرون ما يقول غير أنهم يسمعون تراكيب واعتراضات وأجوبة تأخذ بالألباب فعندها نهض البوريني واقفا على قدميه فقال إن كان ولا بد فأنت البهاء الحارثي إذ لا أحد اليوم بهذه المثابة الا هو فاعتنقا وأخذا بعد ذلك في ايراد أنفس ما يحفظان وسال البهاء من البوريني كتمان امره وافترقا تلك الليلة ثم لم يقم البهاء فاقلع إلى حلب. وذكر الشيخ أبو الوقاء العرضي في ترجمته قال: قدم مستخفيا في زمن السلطان مراد بن سليم مغيرا صورته بصورة رجل درويش فحضر درس الوالد الشيخ عمر وهو لا يظهر انه طالب علم حتى فرع من الدرس فسأله عن أدلة تفضيل الصديق على المرتضي فذكر حديث ما طلعت الشمس ولا غربت على أحد بعد النبيين أفضل من أبي بكر وأحاديث غيره فرد عليه ثم ذكر أشياء كثيرة تقتضي تفضيل المرتضي فشتمه الوالد وقال له رافضي شيعي وسبه فسكت وما فعل ذلك الا لعجزه عن الجواب فعمد إلى السفه والسباب لما أعيته الحجة في الجواب كما هي العادة قال: ثم إن البهائي امر بعض تجار العجم ان يصنع وليمة ويجمع فيها بين الوالد وبينه فاتخذ التاجر وليمة ودعاهما فأخبره ان هذا هو الملا بهاء الدين عالم بلاد العجم فقال للوالد شتمتمونا فقال ما علمت انك الملا بهاء الدين ولكن ايراد مثل هذا الكلام بحضور العوام لا يليق. اه وهذا عذر أقبح من الذنب فإنه إن كان ما اعترض به مستحقا لهذا الجواب فلا فرق بين ان يكون الملا بهاء الدين أو رجلا من المساكين وان كان غير مستحق لهذا الجواب فالمجيب مذموم ولو لم يكن المجاب بهاء الدين فهو بهذا العذر سجل على نفسه انه ينظر إلى من قال لا إلى ما قال ويعرف الأقوال بالرجال لا الرجال بالأقوال ويشتم اهل المسكنة ويتحامى اهل الجاه والأبهة وأبرد من ذلك: العذر بان ايراد مثله لا يليق بحضور العوام فإن كان الدليل يقتضيه يلزم ايراده بحضور العوام والخواص وإن كان الدليل لا يقتضيه يلزم أيضا إيراده بحضور العوام ليعلموه عن دليل لا عن تقليد ولكن الحال ظاهر في أن إثباته بالدليل غير مستطاع فيخشى من تغير عقيدة العوام ويلزم بقاؤهم على التقليد بغير برهان.
قال: ولما سمع بقدومه اهل جبل بني عاملة تواردوا عليه أفواجا فخاف ان يظهر امره فخرج من حلب، قال وسياق كلام العرضي يقتضي ان دخوله إلى حلب كان بقصد الحج.
اعتقاد البهائي تشيع الرازي ومما يحكى عن البهائي انه كان يعتقد تشيع الفخر الرازي صاحب التفسير.
الحكايات عن البهائي في سياحته واشتهرت عنه حكايات في سياحته منها ممكن الحصول ومنها مستبعد أو ملحق بالخرافات فمن الأول انه مر في سياحته براع فبات عنده فقال له الراعي يا درويش ادخل إلى داخل المراح ولا تبت خارجه فأبى البهائي إذا كانت السماء صاحية وليس من شئ يدل على المطر فلما كان في أثناء