باب قصة الحبش وقول النبي صلى الله عليه وسلم يا بني أرفدة والإسناد واحد وذكره في كتاب النكاح (1) في باب النظر إلى الحبشة ونحوهم من غير ريبة عن الأوزاعي
(١) (فتح الباري): ٩ / ٤٢٠ - ٤٢١ كتاب النكاح باب (١٥) نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة حديث رقم (٥٢٣٦) قوله: (باب نظر المرأة إلى الحبش ونحوهم من غير ريبة) وظاهر الترجمة أن المصنف كان يذهب إلى جواز نظر المرأة إلى الأجنبي بخلاف عكسه وهي مسألة شهيرة واختلف الترجيح فيها عند الشافعية وحديث الباب يساعد من أجاز وقد تقدمت في أبواب العيد جواب النووي عن ذلك بأن عائشة كانت صغيرة دون البلوغ أو كان قبل الحجاب.
وقواه بقوله في هذه الرواية: " فاقدروا قدر الجارية الحديثة السن " لقد تقدم ما يعكر عليه وأن في بعض طرقه أن ذلك كان بعد قدوم وفد الحبشة وأن قدومهم كان سنة سبع ولعائشة يومئذ ست عشر سنة فكانت بالغة وكان ذلك بعد الحجاب وحجة من منع حديث أم سلمة الحديث المشهور: " أفعمياوان أنتما " وهو حديث أخرجه أصحاب السنن من رواية الزهري عن نبهان مولى أم سلمة عنها وإسناده قوي وأكثر ما علل به انفراد الزهري بالرواية عن نبهان وليست بعله قادحة فإن من يعرفه الزهري ويصفه بأنه مكاتب أم سلمة ولم يجرحه أحد لا ترد روايته والجمع بين الحديثين احتمال تقدم الواقعة أو أن يكون في قصة الحديث الذي ذكره نبهان شئ يمنع النساء من رؤيته لكون ابن أم مكتوم كان أعمى فلعله كان منه شئ ينكشف ولا يشعر به ويقوي الجواز استمرار العمل على جواز خروج النساء إلى المساجد والأسواق والأسفار منتقبات لئلا يراهن الرجال ولم يؤمر الرجال قط بالانتقاب لئلا يراهم النساء فدل على تغاير الحكم بين الطائفتين وبهذا احتج الغزالي على الجواز فقال: لسنا نقول أن وجه الرجل في حقها عورة كوجه المرأة في حقه بل هو كوجه الأمرد في حق الرجل فيحرم النظر عند خوف الفتنة فقط وإن لم تكن فتنة فلا إذا لم تزل الرجال على مر الزمان مكشوفو الوجوه والنساء يخرجن منتقبات فلو استووا لأمر الرجال بالتنقب أو منعن من الخروج.
وأخرجه في كتاب الصلاة باب (٦٩) أصحاب الحراب في المسجد وحديث رقم (٤٥٤) و (٤٥٥) قوله (باب أصحاب الحراب في المسجد) والمراد جواز دخولهم فيه ونصال حرابهم مشهورة وأظن المصنف أشار إلى تخصيص الحديث السابق في النهي عن المرور في المسجد بالنصل غير مغمود والفرق بينهما أن التحفظ في هذه الصورة وهي صورة اللعب بالحراب سهل بخلاف مجرد المرور فإنه قد يقع بغتة فلا يتحفظ منه.
قوله: (لقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما في باب حجرتي والحبشة يلعبون في المسجد) فيه جواز ذلك في المسجد وحكى ابن التين عن أبي الحسن اللخمي أن اللعب بالحراب في المسجد منسوخ بالقران والسنة: أما القرآن فقوله تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع) وأما السنة فحديث جنبوا مساجدكم صبيانكم و مجانينكم. وتعقب بأن الحديث ضعيف وليس فيه ولا في الآية تصريح بما ادعاه ولا عرف التاريخ فيثبت النسخ. وحكى بعض المالكية عن مالك أن لعبهم كان خارج المسجد وكانت عائشة في المسجد وهذا لا يثبت عن مالك فإنه خلاف ما صرح به في طرق هذا الحديث وفي بعضها أن عمر أنكر عليهم لعبهم في المسجد فقال النبي صلى الله عليه وسلم دعهم واللعب بالحراب ليس لعبا مجردا بل فيه تدريب الشجعان على مواقع الحروب والاستعداد للعدو. وقال المهلب: المسجد موضع لأمر جماعة المسلمين فما كان من الأعمال يجمع منفعة الدين وأهله جاز فيه. وفي الحديث جواز النظر إلى اللهو المباح وفي حسن خلقه صلى الله عليه وسلم مع أهله وكرم معاشرته وفضل عائشة وعظيم محلها عنده.
قوله: (يسترني بردائه) يدل على أن ذلك كان بعد نزول الحجاب ويدل على جواز نظر المرأة إلى الرجل. وأجاب بعض من منع بأن عائشة كانت إذ ذاك صغيرة وفيه نظر لما ذكرنا وادعى بعضهم بحديث " أفعمياوان أنتما "؟ وهو حديث مختلف في صحته.