وعساكره قد ساروا إلى الصعيد فبلغ مكانا يعرف بالبابين وسارت العساكر المصرية والفرنج وراءه فأدركوه بها في الخامس والعشرين من جمادي الآخرة وكان أرسل إلى المصريين والفرنج جواسيس فعادوا إليه وأخبروه بكثرة عددهم وعددهم وجدهم في طلبه فعزم على قتالهم إلا أنه خاف من أصحابه أن تضعف نفوسهم عن القتال في هذا المقام الخطر الذي عطبهم فيه أقرب من سلامتهم لقلة عددهم وبعدهم عن أوطانهم وبلادهم وخطر الطريق فاستشارهم فكلهم أشاروا عليه بعبور النيل إلى الجانب الشرقي والعود إلى الشام وقالوا له إن نحن انهزمنا وهو الذي يغلب على الظن فإلى أين نلتجئ وبمن نحتمي وكل من في هذه الديار من جندي وعامي وفلاح عدو لنا؟
فقام أمير من مماليك نور الدين يقال له شرف الدين برغش صاحب شقيف وكان شجاعا وقال من يخاف القتال والأسر فلا يخدم الملوك بل يكون في بيته مع امرأته والله لئن عدنا إلى نور الدين من غير غلبة ولا بلاء نعذر فيه ليأخذن مالنا من أقطاع وجامكية وليعودن علينا بجميع ما أخذناه منذ خدمناه إلى يومنا هذا ويقولون تأخذون أموال المسلمين وتفرون عن عدوهم وتسلمون مثل مصر إلى الكفار والحق بيده.
فقال أسد الدين هذا الرأي وبه أعمل وقال ابن أخيه صلاح الدين مثله وكثر الموافقون لهم واجتمعت الكلمة على القتال فأقام بمكانه حتى أدركه المصريون والفرنج وهو على تعبية وجعل الأثقال في القلب يتكثر بها ولأنه لم يمكنه أن يتركها بمكان آخر فينهبها أهل البلاد وجعل صلاح الدين في القلب وقال له ولمن معه إن المصريين والفرنج يجعلون حملتهم على القلب ظنا منهم أني فيه فإذا حملوا عليكم فلا تصدقوهم القتال، ولا تهلكوا نفوسكم واندفعوا قدامهم بين أيديهم فإذا عادوا عنكم فارجعوا في أعقابهم.