وجميع جهات التجوز، وإن تعددت غير خارجة عما ذكرناه وإنما قيدنا الحد باللفظ، لان الكلام إنما هو في المجاز اللفظي لا مطلقا، وبقولنا: المتواضع على استعماله أو المستعمل في غير ما وضع له أولا تمييزا له عن الحقيقة.
وبقولنا: لما بينهما من التعلق، لأنه لو لم يكن كذلك، كان ذلك الاستعمال ابتداء وضع آخر، وكان اللفظ مشتركا لا مجازا.
فإن قيل ما ذكرتموه من الحد غير جامع، لأنه يخرج منه التجوز بتخصيص الاسم ببعض مدلولاته في اللغة، كتخصيص لفظ الدابة بذوات الأربع، فإنه مجاز، وهو غير مستعمل في غير ما وضع له أولا، لدخول ذوات الأربع في المدلول الأصلي، ويلزم منه أيضا خروج التجوز بزيادة الكاف في قوله: * (ليس كمثله شئ) * (42) الشورى: 11)، فإنه مجاز، وهو غير مستعمل في إفادة شئ أصلا. ويخرج أيضا منه التجوز بلفظ الأسد عن الانسان، حالة قصد تعظيمه، وإنما يحصل تعظيمه بتقدير كونه أسدا، لا بمجرد إطلاق اسم الأسد عليه، بدليل ما إذا جعل علما له، ومدلوله إذ ذاك لا يكون غير ما وضع له أولا. وتدخل فيه الحقيقة العرفية، كلفظ الغائط وإن كان اللفظ مستعملا في غير موضوعه أولا. والحقيقة من حيث هي حقيقة لا تكون مجازا.
قلنا: أما الاشكال الأول فمندفع، لأنه لا يخفى أن حقيقة المطلق مخالفة لحقيقة المقيد من حيث هما كذلك، فإذا كان لفظ الدابة حقيقة في مطلق دابة، فاستعماله في الدابة المقيدة على الخصوص يكون استعمالا له في غير ما وضع له أولا، وأما الكاف في قوله تعالى: * (ليس كمثله شئ) * فليست مستعملة للاسمية كوضعها في اللغة، ولا للتشبيه، وإلا كان معناها: ليس لمثله مثل، وهو مثل لمثيله، فكان تناقضا فكانت مستعملة، لا فيما وضعت له في اللغة أولا، فكانت داخلة في الحد.