فهم التفصيل، فإنما يمنع ذلك من وضع الألفاظ المشتركة، أن لو لم تكن مفيدة لجميع مدلولاتها بطريق العموم، وليس كذلك، على ما ذهب إليه القاضي والشافعي، رضي الله عنه، كما سيأتي تحقيقه.
وإذا عرف وقوع الاشتراك لغة، فهو أيضا واقع في كلام الله تعالى. والدليل عليه قوله تعالى: * (والليل إذا عسعس) * (81) التكوير: 17)، فإنه مشترك بين إقبال الليل وإدباره، وهما ضدان، هكذا ذكره صاحب الصحاح.
وما يقوله المانع لذلك: من أن المشترك إن كان المقصود منه الافهام، فإن وجد معه البيان، فهو تطويل من غير فائدة، وإن لم يوجد فقد فات المقصود، وإن لم يكن المقصود منه الافهام فهو عبث وهو قبيح، فوجب صيانة كلام الله عنه فهو مبني على الحسن والقبح الذاتي العقلي، وسيأتي إبطاله.
كيف وقد بينا أن مذهب الشافعي، والقاضي أبي بكر، أن المشترك نوع من أنواع العموم، والعام غير ممتنع في كلام الله تعالى، وبتقدير عدم عمومه، فلا يمتنع أن يكون في الخطاب به فائدة لنيل الثواب بالاستعداد لامتثاله، بتقدير بيانه بظهور دليل يدل على تعيين البعض، وإبطال جميع الأقسام سوى الواحد منها.
المسألة الثانية قد ظن في أشياء أنها مشتركة، وهي متواطئة، وفي أشياء أنها متواطئة، وهي مشتركة.
أما الأول: فكقولنا: مبدأ للنقطة. والآن، فإنه لما اختلف الموضوع المنسوب إليه، وهو الزمان والخط، ظن الاشتراك في اسم المبدأ، وليس كذلك، فإن إطلاق اسم المبدأ عليهما إنما كان بالنظر إلى أن كل واحد منهما أول لشئ، لا من حيث هو أول للزمان أو الخط. وهو من هذا الوجه متواطئ، وليس بمشترك.