المسألة الثانية اتفق العقلاء على استحالة الجمع بين الحظر والوجوب في فعل واحد من جهة واحدة، لتقابل حديهما، كما سبق تعريفه، إلا على رأي من يجوز التكليف بالمحال.
وإنما الخلاف في أنه هل يجوز انقسام النوع الواحد من الافعال إلى واجب وحرام، كالسجود لله تعالى والسجود للصنم، وأن يكون الفعل الواحد بالشخص واجبا حراما من جهتين، كوجوب الفعل المعين الواقع في الدار المغصوبة من حيث هو صلاة، وتحريمه من حيث هو غصب شاغل لملك الغير، فذلك مما جوزه أصحابنا مطلقا وأكثر الفقهاء. وخالف في الصورة الأولى بعض المعتزلة، وقالوا: السجود نوع واحد، وهو مأمور به لله تعالى، فلا يكون حراما ولا منهيا بالنسبة إلى الصنم من حيث هو سجود، وإلا كان الشئ الواحد مأمورا منهيا، وذلك محال، وإنما المحرم المنهي قصد تعظيم الصنم، وهو غير السجود.
وخالف في الصورة الثانية الجبائي وابنه وأحمد بن حنبل وأهل الظاهر والزيدية.
وقيل إنه رواية عن مالك. وقالوا الصلاة في الدار المغصوبة غير واجبة ولا صحيحة، ولا يسقط بها الفرض ولا عندها، ووافقهم على ذلك القاضي أبو بكر إلا في سقوط الفرض، فإنه قال: يسقط الفرض عندها لا بها، مصيرا منهم إلى أن الوجوب والتحريم إنما يتعلق بفعل المكلف، لا بما ليس من فعله والافعال الموجودة من المصلي في الدار المغصوبة أفعال اختيارية محرمة عليه، وهو عاص بها، مأثوم بفعلها، وليس له من الافعال غير ما صدر عنه، فلا يتصور أن تكون واجبة طاعة ولا مثابا عليها، متقربا بها إلى الله تعالى. لان الحرام لا يكون واجبا، والمعصية لا تكون طاعة، ولا مثابا عليها ولا متقربا بها، مع أن التقرب شرط في صحة الصلاة والحق في ذلك ما قاله الأصحاب.