فإن قيل: لو كان تحريم إيقاع الفعل في الوقت تحريما للفعل الواقع، لزم أن يكون تحريم إيقاع الطلاق في زمن الحيض تحريما لنفس الطلاق، ولو كان الطلاق نفسه محرما لما كان معتبرا، وكذلك وقوع الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عن إيقاعها فيها.
قلنا: أما الطلاق في زمن الحيض إنما قضى الشافعي بصحته لظهور صرف التحريم عنده عن أصل الطلاق وصفته، إلى أمر خارج، وهو ما يفضي إليه من تطويل العدة، لدليل دل عليه.
وأما الصلوات في الأوقات والأماكن المنهي عنها، فقد منع بعض أصحابنا صحتها في الأوقات دون الأماكن. ومن عمم، اعتقد صرف النهي فيها عن أصل الفعل وصفته إلى أمر خارج لدليل دل عليه أيضا، بخلاف ما نحن فيه، حتى لو قام الدليل فيه على ترك الظاهر لترك.
الفصل الثالث في تحقيق معنى المندوب وما يتعلق به من المسائل والمندوب في اللغة مأخوذ من الندب، وهو الدعاء إلى أمر مهم، ومنه قول الشاعر:
(لا يسألون أخاهم حين يندبهم في النائبات على ما قال برهانا) وأما في الشرع، فقد قيل: هو ما فعله خير من تركه. ويبطل بالاكل قبل ورود الشرع، فإنه خير من تركه لما فيه من اللذة واستبقاء المهجة، وليس مندوبا، وقيل: هو ما يمدح على فعله، ولا يذم على تركه، ويبطل بأفعال الله تعالى، فإنها كذلك، وليست مندوبة.
فالواجب أن يقال: هو المطلوب فعله شرعا من غير ذم على تركه مطلقا.
(فالمطلوب فعله) احتراز عن الحرام والمكروه والمباح وغيره من الاحكام الثابتة بخطاب الوضع والاخبار. و (نفي الذم) احتراز عن الواجب المخير، والموسع، في أول الوقت. وإذا عرف معنى المندوب، ففيه مسألتان: