المسألة الرابعة لا يتصور التعارض بين أفعال رسول الله، بحيث يكون البعض منها ناسخا للآخر، أو مخصصا له، وذلك لأنهما إما من قبيل المتماثلين، كفعل صلاة الظهر مثلا في وقتين متماثلين أو في وقتين مختلفين، وإما من قبيل المختلفين.
والفعلان المختلفان إما أن يتصور اجتماعهما، كالصوم والصلاة، أو لا يتصور اجتماعهما.
وما لا يتصور اجتماعهما: إما أن لا تتناقض أحكامهما، كصلاة الظهر والعصر مثلا، أو تتناقض، كما لو صام في وقت معين، وأكل في مثل ذلك الوقت.
فإن كان من القسم الأول، أو الثاني، أو الثالث، فلا خفاء بعدم التعارض بينهما، لامكان الجمع.
وإن كان من القسم الرابع، فلا تعارض أيضا، إذ أمكن أن يكون الفعل في وقت واجبا أو مندوبا أو جائزا، وفي وقت آخر بخلافه، ولا يكون أحدهما رافعا، ولا مبطلا لحكم الآخر، إذا لا عموم للفعلين، ولا لأحدهما.
نعم إن دل الدليل على أن ما فعله النبي عليه السلام، من الصوم، كان يجب تكريره عليه في مثل الوقت أو دل الدليل على لزوم وجوب تأسي أمته به في ذلك الوقت. فإذا ترك ذلك الفعل في مثل ذلك الوقت بالتلبس بضده، كالأكل مع الذكر للصوم والقدرة عليه، فإن أكله يدل على نسخ حكم ذلك الدليل الدال على تكرار الصوم في حقه، لا نسخ حكم ذلك الصوم المتقدم لعدم اقتضائه للتكرار، ورفع حكم وجد محال، أو أنه رأى بعض الأمة فمثل ذلك الوقت يأكل، فأقره عليه، ولم ينكر مع الذكر للصوم والقدرة على الانكار، فإن ذلك يدل على نسخ حكم ذلك الدليل المقتضي لتعميم الصوم على الأمة في حق ذلك الشخص أو تخصيصه، لا نسخ حكم فعل الرسول ولا تخصيصه. وإن قيل النسخ فعل الرسول وتخصيصه، فلا يكون إلا بمعنى أنه قد زال التعبد بمثله عن الرسول، أو الواحد من الأمة، وذلك من باب التجوز والتوسع لا أنه حقيقة.