بالسكن محرم على ما قيل في صورة محل النزاع من غير فرق، والجواب يكون مشتركا: كيف وإن إجماع سلف الأمة وهلم جرا منعقد على الكف عن أمر الظلمة بقضاء الصلوات المؤداة في الدور المغصوبة مع كثرة وقوع ذلك منهم، ولو لم تكن صحيحة مع وجوبها عليهم، لبقي الوجوب مستمرا، وامتنع على الأمة عدم الانكار عادة وهو لازم على المعتزلة وأحمد بن حنبل حيث اعترفوا ببقاء الفرض وعدم سقوطه.
وأما القاضي أبو بكر فإنه قال إن الفرض يسقط عندها لا بها، جمعا بين الاجماع على عدم النكير على ترك القضاء وبين ما ظنه دليلا على امتناع صحة الصلاة. وقد بينا إبطال مستنده.
المسألة الثالثة مذهب الشافعي أن المحرم بوصفه مضاد لوجوب أصله، خلافا لأبي حنيفة.
وصورة المسألة ما إذا أوجب الصوم وحرم إيقاعه في يوم العيد. وعلى هذا النحو فالشافعي اعتقد أن المحرم هو الصوم الواقع، وألحقه بالمحرم باعتبار أصله، فكان تحريمه مضادا لوجوبه. وأبو حنيفة اعتقد أن المحرم نفس الوقوع لا الواقع، وهما غيران فلا تضاد، إلحاقا له بالمحرم باعتبار غيره وحيث قضى بتحريم صلاة المحدث وبطلانها، إنما كان لفوات شرطها من الطهارة لا للنهي عن إيقاعها مع الحدث، بخلاف الطواف حيث لا يقم الدليل عنده على اشتراط الطهارة فيه.
وبالجملة فالمسألة اجتهادية ظنية، لا حظ لها من اليقين، وإن كان الأشبه إنما هو مذهب الشافعي من حيث إن اللغوي لا يفرق عند سماعه لقول القائل: حرمت عليك الصوم في هذا اليوم مع كونه موجبا لتحريم الصوم، وبين قوله حرمت عليك إيقاع الصوم في هذا اليوم من جهة أنه لا معنى لايقاع الصوم في اليوم سوى فعل الصوم في اليوم. فإذا كان فعل الصوم فيه محرما، كان ذلك مضادا لوجوبه لا محالة.