المسألة الخامسة ذهب الأكثرون إلى أنه لا اعتبار بموافقة العامي من أهل الملة في انعقاد الاجماع، ولا بمخالفته، واعتبره الأقلون، وإليه ميل القاضي أبي بكر، وهو المختار.
وذلك لان قول الأمة إنما كان حجة لعصمتها عن الخطأ، بما دلت عليه الدلائل السمعية من قبل، ولا يمتنع أن تكون العصمة من صفات الهيئة الاجتماعية من الخاصة والعامة. وإذا كان كذلك، فلا يلزم أن تكون العصمة الثابتة للكل ثابتة للبعض، لان الحكم الثابت للجملة لا يلزم أن يكون ثابتا للافراد.
فإن قيل يجب تخصيص ما ورد من النصوص الدالة على عصمة الأمة بأهل الحل والعقد منهم دون غيرهم لستة أوجه.
الأول: أن العامي يلزمه المصير إلى أقوال العلماء بالاجماع، فلا تكون مخالفته معتبرة فيما يجب عليه التقليد فيه.
الثاني: أن الأمة إنما كان قولها حجة، إذا كان ذلك مستندا إلى الاستدلال، لان إثبات الاحكام من غير دليل محال والعامي ليس أهلا للاستدلال والنظر، فلا يكون قوله معتبرا كالصبي والمجنون.
الثالث: أن قول العامي في الدين من غير دليل خطأ مقطوع به، والمقطوع بخطئه لا تأثير لموافقته ولا لمخالفته.
الرابع: أن أهل العصر الأول من الصحابة، علماؤهم وعوامهم أجمعوا على أنه لا عبرة بموافقة العامي ولا بمخالفته.
الخامس: أن الأمة إنما عصمت عن الخطأ في استدلالها، لان إثبات الأحكام الشرعية من غير استدلال ودليل خطأ، والعامي ليس هو من أهل الاستدلال، فلا يتصور ثبوت عصمة الاستدلال في حقه.
السادس: هو أن العامي لا يتصور منه الإصابة، إذا كان قائلا بالحكم من غير دليل، فلا يتصور عصمته، لان العصمة مستلزمة للإصابة.