المسألة التاسعة اختلفوا في التابعي إذا كان من أهل الاجتهاد في عصر الصحابة هل ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفته أم لا. فمنهم من قال: لا ينعقد بإجماعهم مع مخالفته، ثم اختلف هؤلاء. فمن لم يشترط انقراض العصر، قال إن كان من أهل الاجتهاد قبل انعقاد إجماع الصحابة، فلا يعتد بإجماعهم مع مخالفته، وإن بلغ رتبة الاجتهاد بعد انعقاد إجماع الصحابة، لا يعتد بخلافه. وهذا هو مذهب أصحاب الشافعي وأكثر المتكلمين وأصحاب أبي حنيفة، ومذهب أحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه.
ومن شرط انقراض العصر، قال لا ينعقد إجماع الصحابة مع مخالفته، سواء كان من أهل الاجتهاد حالة إجماعهم، أو صار مجتهدا بعد إجماعهم، لكن في عصرهم.
وذهب قوم إلى أنه لا عبرة بمخالفته أصلا، وهو مذهب بعض المتكلمين وأحمد بن حنبل في رواية.
والمختار أنه إن كان من أهل الاجتهاد حالة إجماع الصحابة لا ينعقد إجماعهم دون موافقته.
وقد استدل كثير من أصحابنا بقولهم إن الصحابة سوغت للتابعين المعاصرين لهم الاجتهاد معهم في الوقائع الحادثة في عصرهم، كسعيد بن المسيب وشريح القاضي والحسن البصري ومسروق وأبي وائل والشعبي وسعيد بن جبير وغيرهم، حتى إن عمر وعليا وليا شريحا القضاء ولم يعترضا عليه فيما خالفهما فيه، وحكم على علي، في خصومة عرضت له عنده على خلاف رأي علي، ولم ينكر عليه.
وروي عن ابن عمر أنه سئل عن فريضة، فقال: اسألوا سعيد بن جبير، فإنه أعلم بها مني.
وسئل الحسين بن علي كرم الله وجهه عن مسألة، فقال: اسألوا الحسن البصري.
وسئل ابن عباس عن نذر ذبح الولد، فقال: اسألوا مسروقا. فلما أتاه السائل بجوابه اتبعه.
وروي عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أنه قال: تذاكرت أنا وابن عباس وأبو هريرة في عدة الحامل المتوفى عنها زوجها فقال ابن عباس: عدتها أبعد الأجلين. وقلت أنا: عدتها أن تضع حملها. وقال أبو هريرة: أنا مع ابن أخي.
فسوغ ابن عباس لأبي سلمة أن يخالفه مع أبي هريرة، إلى غير ذلك من الوقائع.