المسألة الثانية اختلف الأصوليون في اشتمال اللغة على الأسماء المجازية: فنفاه الأستاذ أبو إسحاق، ومن تابعه، وأثبته الباقون وهو الحق.
حجة المثبتين أنه قد ثبت إطلاق أهل اللغة اسم الأسد على الانسان الشجاع، والحمار على الانسان البليد، وقولهم: ظهر الطريق ومتنها، وفلان على جناح السفر، وشابت لمة الليل، وقامت الحرب على ساق، وكبد السماء، إلى غير ذلك، وإطلاق هذه الأسماء لغة مما لا ينكر إلا عن عناد. وعند ذلك فإما أن يقال إن هذه الأسماء حقيقة في هذه الصور، أو مجازية لاستحالة خلو الأسماء اللغوية عنهما ما سوى الوضع الأول كما سبق تحقيقه، لا جائز أن يقال بكونها حقيقة فيها، لأنها حقيقة فيما سواها بالاتفاق.
فإن لفظ الأسد حقيقة في السبع، والحمار في البهيمة، والظهر والمتن والساق والكبد في الأعضاء المخصوصة بالحيوان، واللمة في الشعر إذا جاوز شحمة الأذن.
وعند ذلك فلو كانت هذه الأسماء حقيقية فيما ذكر من الصور، لكان اللفظ مشتركا، ولو كان مشتركا، لما سبق إلى الفهم، عند إطلاق هذه الألفاظ، البعض دون البعض، ضرورة التساوي في الدلالة الحقيقية. ولا شك أن السابق إلى الفهم من إطلاق لفظ الأسد، إنما هو السبع، ومن إطلاق لفظ الحمار، إنما هو البهيمة، وكذلك في باقي الصور.
كيف وإن أهل الاعصار لم تزل تتناقل في أقوالها وكتبها عن أهل الوضع تسمية هذا حقيقة، وهذا مجازا.