المسألة العشرون إذا استدل أهل العصر في مسألة بدليل، أو تأولوا تأويلا فهل يجوز لمن بعدهم إحداث دليل أو تأويل آخر؟
لا يخلو إما أن يكون أهل ذلك العصر قد نصوا على إبطال ذلك الدليل وذلك التأويل، أو على صحته، أو سكتوا عن الامرين.
فإن كان الأول، لم يجز إحداثه لما فيه من تخطئة الأمة فيما أجمعوا عليه.
وإن كان الثاني، جاز إحداثه، إذ لا تخطئة فيه.
وإن كان الثالث، فقد ذهب الجمهور إلى جوازه، ومنع منه الأقلون.
والمختار جوازه، إلا إذا لزم من ذلك القدح فيما أجمع عليه أهل العصر.
ودليل ذلك أنه إذا لم يلزم منه القدح فيما أجمعوا عليه، كان ذلك جائزا، كما لو لم يسبقه تأويل أو دليل آخر. ولهذا فإن الناس في كل عصر لم يزالوا يستخرجون الأدلة والتأويلات المغايرة لأدلة من تقدم وتأويلاته، ولم ينكر عليهم أحد، فكان ذلك إجماعا.
فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بالكتاب والسنة والمعقول:
أما الكتاب، فقوله تعالى: * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * (4) النساء: 115) والدليل والتأويل الثاني ليس هو سبيل المؤمنين.
وأيضا قوله تعالى: * (كنتم خير أمة أخرجت للناس، تأمرون بالمعروف) * (3) آل عمران: 110) دل على أنهم يأمرون بكل معروف، لأنه ذكر المعروف بالألف واللام المستغرقة للجنس، ولو كان الدليل والتأويل الثاني معروفا لأمروا به، وحيث لم يأمروا به لم يكن معروفا، فكان منكرا.
وأما السنة، فقوله عليه السلام: أمتي لا تجتمع على الخطأ وقد ذهبوا عن الدليل والتأويل الثاني، فلا يكون ذهابهم عنه خطأ. ولو كان دليلا صحيحا، أو تأويلا صحيحا لكان الذهاب عنه خطأ وهو محال.