قولهم: ما ذكرتموه لازم عليكم في الايجاب الشرعي، ليس كذلك. فإن الفائدة الأخروية، ولم يستقل العاقل بمعرفتها، فالله تعالى عالم بها. كيف وإن ذلك إنما يلزم منا أن لو اعتبرنا الحكمة في الايجاب الشرعي، وليس ذلك على ما عرف من أصلنا.
وأما المعارضة بما ذكروه من إفحام الرسل، فجوابه من وجهين:
الأول، منع توقف استقرار الشرع على نظر المدعو في المعجزة بل مهما ظهرت المعجزة في نفسها وكان صدق النبي فيما ادعاه ممكنا وكان المدعو عاقلا متمكنا من النظر والمعرفة، فقد استقر الشرع وثبت، والمدعو مفرط في حق نفسه.
الثاني، إن الدور لازم على القائل بالايجاب العقلي، لان العقل بجوهره غير موجب دون النظر والاستدلال، وإلا لما خلا عاقل عن ذلك. وعند ذلك فللمدعو أن يقول لا أنظر في معجزتك حتى أعرف وجوب النظر، ولا أعرف وجوب النظر حتى أنظر، وهو دور مفحم. والجواب إذ ذاك يكون واحدا.
وعلى كل تقدير فالمسألة ظنية، لا قطعية.
المسألة الثالثة مذهب الأشاعرة وأهل الحق أنه لا حكم لافعال العقلاء قبل ورود الشرع.
وأما المعتزلة، فإنهم قسموا الافعال الخارجة عن الافعال الاضطرارية إلى ما حسنه العقل، وإلى ما قبحه، وإلى ما لم يقض العقل فيه بحسن ولا قبح، فما حسنه العقل، إن استوى فعله وتركه في النفع والضرر، سموه مباحا، وإن ترجح فعله على تركه، فإن لحق الذم بتركه سموه واجبا، وسواء كان مقصودا لنفسه، كالايمان، أو لغيره، كالنظر المفضي إلى معرفة الله تعالى، وإن لم يلحق الذم بتركه، سموه مندوبا. وما قبحه العقل، فإن التحق الذم بفعله، سموه