يكون معينا أو مبهما: القول بالتعيين ممتنع لعدم دلالة اللفظ عليه، والقول بالابهام ممتنع، لأنه على خلاف الغالب من خطاب الشرع، ولكونه أبعد إظهار شرف النبي، عليه السلام. فلم يبق إلا أن يكون في جميع الأشياء. وإذا قال: لك أسوة في فلان في جميع الأشياء فهو مفيد للتأكيد، ولي تكرارا خليا عن الفائدة وإذا قال: لك أسوة في فلان في هذا الشئ دون غيره فلا يكون مناقضة، لان العموم إنما هو مستفاد من التأسي والمتابعة المطلقة وهذا ليس بمطلق، بل الكل جملة واحدة مفيدة لشئ معين.
وأما ما ذكروه على الاجماع، فهو خلاف المشهور المأثور عنهم عند اتفاقهم بعد اختلافهم في التمسك بأفعال النبي، عليه السلام، والرجوع إليها وسؤال زوجاته، والبحث عن أفعاله في ذلك، وسكون أنفسهم إليها، والاعتماد عليها، واحتجاج بعضهم على بعض بها. ولو كان ثم دليل يدل على المتابعة والتأسي غير النظر إلى أفعاله، لبادروا إليه من غير توقف على البحث عن فعله، عليه السلام، وعلى ما ذكرناه في فعله، يكون الحكم في تركه.
المسألة الثالثة إذا فعل واحد بين يدي النبي عليه السلام فعلا أو في عصره، وهو عالم به قادر على إنكاره، فسكت عنه وقرره عليه من غير نكير عليه، فلا يخلو إما أن يكون النبي عليه السلام، قد عرف قبح ذلك الفعل وتحريمه من قبل، أو لم يكن كذلك.
فإن كان الأول، فإما أن يكون قد علم إصرار ذلك الفاعل على فعله، وعلم من النبي، عليه السلام، الاصرار على قبح ذلك الفعل وتحريمه، كاختلاف أهل الذمة إلى كنائسهم، أو لم يكن كذلك.
فإن كان الأول، فالسكوت عنه لا يدل على جوازه وإباحته إجماعا، ولا يوهم كونه منسوخا.
وإن كان الثاني، فالسكوت عنه وتقريره له من غير إنكار يدل على نسخه