المسألة الثالثة عشرة اختلفوا في اشتراط عدد التواتر في الاجماع، فمن استدل على كون الاجماع حجة بدلالة العقل، وهو أن الجمع الكثير لا يتصور تواطئهم على الخطأ كإمام الحرمين وغيره، فلا بد من اشتراط ذلك عنده لتصور الخطأ على من دون عدد التواتر وأما من احتج على ذلك بالأدلة السمعية، فقد اختلفوا: فمنهم من شرطه، ومنهم من لم يشترطه.
والحق أنه غير مشترط لما بيناه من أن إثبات الاجماع بطريق العقل غير متصور، وأنه لا طريق إليه سوى الأدلة السمعية من الكتاب والسنة. وعلى هذا، فمهما كان عدد الاجماع أنقص من عدد التواتر صدق عليهم لفظ (الأمة) و (المؤمنين)، وكانت الأدلة السمعية موجبة لعصمتهم عن الخطأ عليهم، ووجب اتباعهم.
فإن قيل: ما ذكرتموه إنما يصح بتقدير عود عدد المسلمين إلى ما دون عدد التواتر، وذلك غير متصور، مهما دام التكليف من الله تعالى بدين الاسلام، وذلك لان التكليف به إنما يكون مع قيام الحجة على ذلك، والحجة على ذلك إنما تكون بالنقل المفيد لوجود محمد وتحديه بالرسالة، وما ورد على لسانه من معجز الكتاب والسنة وأدلة الاحكام يقينا، ولا يفيد ذلك غير التواتر من أخبار المسلمين لعدم نقل غيرهم لذلك، ومبالغتهم في محو ذلك وإعدامه.
سلمنا إمكان انتفاء التكليف مع عود عدد المجمعين إلى ما دون عدد التواتر، ولكن ما دون عدد التواتر مما لا يعلم إسلامهم وإيمانهم بأقوالهم، ومن لا يعلم إيمانه لا يعلم صدقه في الخبر عن الدين.
سلمنا إمكان حصول العلم بأقوال من عددهم دون عدد التواتر، فلو لم يبق من الأمة سوى واحد، هل تقوم الحجة بقوله أم لا؟
والجواب عن الأول أنا إن قلنا إن أهل الاجماع هم أهل الحل والعقد، فلا يلزم من نقصان عددهم عن عدد التواتر انقطاع الحجة بالتكليف، لامكان حصول المعرفة بذلك من أخبار المجتهدين والعامة جميعا، فإنه ليس من شرط التواتر أن