ولو ترك بعض الفقهاء العمل بالاجماع، بخلاف هذا المبتدع المكفر، فهو معذور، إن لم يعلم ببدعته ولا يؤاخذ بالمخالفة، كما إذا عمل الحاكم بشهادة شاهد الزور من غير علم بتزويره، وإن علم ببدعته، وخالف الاجماع، لجهله بأن تلك البدعة مكفرة، فهو غير معذور لتقصيره عن البحث، والسؤال عن ذلك لعلماء الأصول العارفين بأدلة الايمان والتكفير، حتى يحصل له العلم بذلك بدليله، إن كانت له أهلية فهمه، وإلا قلدهم فيما يخبرون به من التكفير، وأما ماذا يكفر به من البدع، فقد استقصينا الكلام فيه في حكايات مذاهب أهل الملل والنحل في أبكار الأفكار فعليك بمراجعته.
المسألة السابعة ذهب الأكثرون من القائلين بالاجماع إلى أن الاجماع المحتج به غير مختص بإجماع الصحابة، بل إجماع أهل كل عصر حجة، خلافا لداود وشيعته من أهل الظاهر، ولأحمد بن حنبل في إحدى الروايتين عنه.
والأول هو المختار، ويدل عليه أن حجة كون الاجماع حجة غير خارجة كما ذكرناه من الكتاب والسنة والمعقول. وكل واحد منها لا يفرق بين أهل عصر وعصر، بل هو متناول لأهل كل عصر حسب تناوله لأهل عصر الصحابة، فكان إجماع أهل كل عصر حجة.
فإن قيل: حجة كون الاجماع حجة غير خارجة عن الآيات والاخبار السابق ذكرها، وقوله تعالى: كنتم خير أمة أخرجت للناس) * (3) آل عمران: 110) وقوله: * (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) * (2) البقرة: 143) خطاب مع الموجودين في زمن النبي عليه السلام، فلا يكون متناولا لغيرهم، وقوله تعالى: * (ويتبع غير سبيل المؤمنين) * (4) النساء: 115) والأخبار الدالة على عصمة الأمة خاصة