الأصل الثالث في الاجماع ويشتمل على مقدمة، ومسائل.
أما المقدمة: ففي تعريف الاجماع. وهو في اللغة باعتبارين:
أحدهما العزم على الشئ والتصميم عليه، ومنه يقال: أجمع فلان على كذا، إذا عزم عليه، وإليه الإشارة بقوله تعالى: * (فاجمعوا أمركم) * (10) يونس: 71) أي اعزموا، وبقوله عليه السلام: لا صيام لمن لم يجمع الصيام من الليل أي يعزم. وعلى هذا فيصح إطلاق اسم الاجماع على عزم الواحد.
الثاني: الاتفاق، ومنه يقال: أجمع القوم على كذا، إذا اتفقوا عليه. وعلى هذا، فاتفاق كل طائفة على أمر من الأمور، دينيا كان أو دنيويا، يسمى إجماعا حتى اتفاق اليهود والنصارى.
وأما في اصطلاح الأصوليين، فقد قال النظام: هو كل قول قامت حجته، حتى قول الواحد. وقصد بذلك الجمع بين إنكاره كون إجماع أهل الحل والعقد حجة، وبين موافقته لما اشتهر بين العلماء من تحريم مخالفة الاجماع، والنزاع معه في إطلاق اسم الاجماع على ذلك، مع كونه مخالفا للوضع اللغوي، والعرف الأصولي آيل إلى اللفظ.
وقال الغزالي: الاجماع عبارة عن اتفاق أمة محمد خاصة على أمر من الأمور الدينية.
وهو مدخول من ثلاثة أوجه:
الأول: أن ما ذكره يشعر بعدم انعقاد الاجماع إلى يوم القيامة. فإن أمة محمد جملة من اتبعه إلى يوم القيامة، ومن وجد في بعض الاعصار منهم إنما يعم بعض الأمة لا كلها، وليس ذلك مذهبا له ولا لمن اعترف بوجود الاجماع.
الثاني أنه، وإن صدق على الموجودين منهم في بعض الاعصار أنهم أمة محمد، غير أنه يلزم مما ذكره أنه لو خلا عصر من الاعصار عن أهل الحل والعقد، وكان كل من فيه عاميا واتفقوا على أمر ديني أن يكون إجماعا شرعيا. وليس كذلك.