المسألة الحادية والعشرون إذا اختلف أهل عصر من الاعصار في مسألة من المسائل على قولين واستقر خلافهم في ذلك، ولم يوجد له نكير: فهل يتصور انعقاد إجماع من بعدهم على أحد القولين، بحيث يمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر، أم لا؟
ذهب أبو بكر الصيرفي من أصحاب الشافعي، وأحمد بن حنبل، وأبو الحسن الأشعري، وإمام الحرمين، والغزالي وجماعة من الأصوليين إلى امتناعه.
وذهب المعتزلة وكثير من أصحاب الشافعي وأبي حنيفة إلى جوازه.
والأول هو المختار، وذلك لان الأمة إذا اختلفت على القولين، واستقر خلافهم في ذلك بعد تمام النظر والاجتهاد، فقد انعقد إجماعهم على تسويغ الاخذ بكل واحد من القولين باجتهاد أو تقليد، وهم معصومون من الخطأ فيما أجمعوا عليه، على ما سبق من الأدلة السمعية. فلو أجمع من بعدهم على أحد القولين على وجه يمتنع على المجتهد المصير إلى القول الآخر، مع أن الأمة في العصر الأول مجمعة على جواز الاخذ به، ففيه تخطئة أهل العصر الأول فيما ذهبوا إليه.
ويستحيل أن يكون الحق في جواز الاخذ بذلك القول والمنع من الاخذ به معا، فلا بد وأن يكون أحد الامرين خطأ، أو يلزمه تخطئة أحد الاجماعين القاطعين، وهو محال، فثبت أن إجماع التابعين على أحد قولي أهل العصر الأول يفضي إلى أمر ممتنع، فكان ممتنعا. لكن ليس هذا الامتناع عقليا، بل سمعيا.