وجوابه: أن يقال لا سبيل إلى إنكار الجواز العقلي، فإنه لا يمتنع عقلا أن يضع واحد لفظين على مسمى واحد، ثم يتفق الكل عليه. أو أن تضع إحدى القبيلتين أحد الاسمين على مسمى، وتضع الأخرى له اسما آخر، من غير شعور كل قبيلة بوضع الأخرى ثم يشيع الوضعان بعد بذلك كيف وإن ذلك جائز بل واقع بالنظر إلى لغتين ضرورة، فكان جائزا بالنظر إلى قبيلتين.
قولهم في الوجه الأول: لا فائدة في أحد الاسمين ليس كذلك، فإنه يلزم منه التوسعة في اللغة، وتكثير الطرق المفيدة للمطلوب، فيكون أقرب إلى الوصول إليه، حيث إنه لا يلزم من تعذر حصول أحد الطريقين تعذر الآخر، بخلاف ما إذا اتحد الطريق. وقد يتعلق به فوائد أخر في النظم والنثر بمساعدة أحد اللفظين في الحرف الروي، ووزن البيت، والجناس، والمطابقة، والخفة في النطق به، إلى غير ذلك من المقاصد المطلوبة لأرباب الأدب وأهل الفصاحة.
وما ذكروه في الوجه الثاني، فغير مانع من وقوع الترادف، بدليل الأسماء المشتركة والمجازية.
وما ذكروه في الوجه الثالث، فإنما يلزم المحذور منه، وهو زيادة مؤونة الحفظ، أن لو وظف على كل واحد حفظ جميع المترادفات، وليس كذلك، بل هو مخير في حفظ الكل أو البعض، مع ما فيه من الفائدة التي ذكرناها.
وعن الوجه الرابع، أنه ملغى بالترادف في لغتين، كيف وإنه يلزم من الاخلال بالترادف الاخلال بما ذكرناه من المقاصد أولا، وهو محذور.
ثم الدليل على وقوع الترادف في اللغة، ما نقل عن العرب من قولهم: الصهلب والشوذب من أسماء الطويل، والبهتر والبحتر من أسماء القصير، إلى غير ذلك.
ولا دليل على امتناع ذلك حتى يتبع ما يقوله من يتعسف في هذا الباب في بيان اختلاف المدلولات. لكنه ربما خفي بعض الألفاظ المترادفة، وظهر البعض، فيجعل الأشهر بيانا للأخفى، وهو الحد اللفظي.