وأما الثاني، فكقولنا: خمري للون الشبيه بلون الخمر، وللعنب باعتبار أنه يؤول إلى الخمر، وللدواء إذا كان يسكر كالخمر، أو أن الخمر جزء منه، فإنه لما اتحد المنسوب إليه، وهو الخمر، ظن أنه متواطئ، وليس كذلك، فإن اسم الخمري، وإن اتحد المنسوب إليه، إنما كان بسبب النسب المختلفة إليه، ومع الاختلاف فلا تواطؤ. نعم لو أطلق اسم الخمري في هذه الصور باعتبار ما وقع به الاشتراك من عموم النسبة، وقطع النظر عن خصوصياتها، كان متواطئا.
المسألة الثالثة ذهب شذوذ من الناس إلى امتناع وقوع الترادف في اللغة، مصيرا منهم إلى أن الأصل عند تعدد الأسماء تعدد المسميات، واختصاص كل اسم بمسمى غير مسمى الآخر. وبيانه من أربعة أوجه:
الأول: إنه يلزم من اتحاد المسمى تعطيل فائدة أحد اللفظين لحصولها باللفظ الآخر.
الثاني: إنه لو قيل باتحاد المسمى، فهو نادر بالنسبة إلى المسمى المتعدد بتعدد الأسماء، وغلبة استعمال الأسماء بإزاء المسميات المتعددة تدل على أنه أقرب إلى تحصيل مقصود أهل الوضع من وضعهم، فاستعمال الألفاظ المتعددة فيما هو على خلاف الغالب خلاف الأصل.
الثالث: إن المؤونة في حفظ الاسم الواحد أخف من حفظ الاسمين، والأصل إنما هو التزام أعظم المشتقين لتحصيل أعظم الفائدتين.
الرابع: إنه إذا اتحد الاسم، دعت حاجة الكل إلى معرفته مع خفة المؤونة في حفظه، فعمت فائدة التخاطب به، ولا كذلك إذا تعددت الأسماء فإن كل واحد على أمرين: بين أن يحفظ مجموع الأسماء، أو البعض منها. والأول شاق جدا، وقلما يتفق ذلك، والثاني فيلزم منه الاخلال بفائدة التخاطب لجواز اختصاص كل واحد بمعرفة اسم لا يعرفه الآخر.