القسم الأول فيما يجب العمل به مما يسمى دليلا شرعيا وكما بان أنه على خمسة أنواع، فالنظر المتعلق بها، منه ما هو مختص بكل واحد منها بخصوصه، ومنها ما هو مشترك بينها. فلنرسم في كل واحد منها أصلا، وهي ستة أصول:
الأصل الأول في تحقيق معنى الكتاب، وما يتعلق به من المسائل، لأنه الأول والأولى بتقديم النظر فيه أما حقيقة الكتاب، فقد قيل فيه:
هو ما نقل إلينا بين دفتي المصحف بالأحرف السبعة المشهورة نقلا متواترا، وفيه نظر. فإنه لا معنى للكتاب سوى القرآن المنزل علينا على لسان جبريل، وذلك مما لا يخرج عن حقيقته بتقدير عدم نقله إلينا متواترا، بل ولا بعدم نقله إلينا بالكلية، بل غايته جهلنا بوجود القرآن بتقدير عدم نقله إلينا، وعدم علمنا بكونه قرآنا، بتقدير عدم تواتره، وعلمنا بوجوده غير مأخوذ في حقيقته، فلا يمكن أخذه في تحديده.
والأقرب في ذلك أن يقال: الكتاب هو القرآن المنزل.
فقولنا: (القرآن) احتراز عن سائر الكتب المنزلة من التوراة والإنجيل وغيرهما، فإنها وإن كانت كتبا لله تعالى، فليست هي الكتاب المعهود لنا، المحتج به في شرعنا على الأحكام الشرعية الذي نحن بصدد تعريفه، وفيه احتراز عن الكلام المنزل على النبي عليه السلام، مما ليس بمتلو.
وقولنا: (المنزل) احتراز عن كلام النفس، فإنه ليس بكتاب، بل الكتاب هو الكلام المعبر عن الكلام النفساني، ولذلك، لم نقل هو الكلام القديم، ولم نقل هو المعجز، لان المعجز أعم من الكتاب، ولم نقل هو الكلام المعجز، لأنه يخرج منه الآية وبعض الآية، مع أنها من الكتاب، وإن لم تكن معجزة.