وأما التعبير بلفظ الأسد عن الانسان تعظيما له، فليس لتقدير مسمى الأسد الحقيقي فيه، بل لمشاركته له في صفته من الشجاعة. والحقيقة العرفية وإن كانت حقيقة بالنظر إلى تواضع أهل العرف عليها، فلا تخرج عن كونها مجازا بالنسبة إلى استعمال اللفظ في غير ما وضع له أولا، ولا تناقض، وإذا عرف معنى الحقيقة والمجاز، فمهما ورد لفظ في معنى، وتردد بين القسمين، فقد يعرف كونه حقيقة ومجازا بالنقل عن أهل اللغة، وإن لم يكن نقل فقد يعرف كونه مجازا بصحة نفيه في نفس الامر ويعرف كونه حقيقة بعدم ذلك. ولهذا فإنه يصح أن يقال لمن سمي من الناس حمارا لبلادته، إنه ليس بحمار، ولا يصح أن يقال إنه ليس بإنسان في نفس الامر لما كان حقيقة فيه.
ومنها أن يكون المدلول مما يتبادر إلى الفهم من إطلاق اللفظ من غير قرينة، مع عدم العلم بكونه مجازا، بخلاف غيره من المدلولات، فالمتبادر إلى الفهم هو الحقيقة، وغيره هو المجاز.
فإن قيل هذا لا يطرد في المجاز المنقول، حيث إنه يسبق إلى الفهم من اللفظ دون حقيقته، فالامر فيهما بالضد مما ذكرتموه وينتقض أيضا باللفظ المشترك، فأنه حقيقة في مدلولاته، مع عدم تبادر شئ منها إلى الفهم عند إطلاقه.
قلنا: أما الأول فمندفع. وذلك لان اللفظ الوارد، إذا تبادر مدلوله إلى الذهن عند إطلاقه، فإن علم كونه مجازا فهو غير وارد على ما ذكرناه، وإن لم يعلم، فالظاهر أنه يكون حقيقة فيه، لاختصاص ذلك بالحقيقة في الغالب، وإدراج النادر تحت الغالب أولى. وأما اللفظ المشترك فإن قلنا إنه عام في جميع محامله، فقد اندفع الاشكال. وإن قلنا إنه لا يتناول إلا واحدا من مدلولاته على طريق البدل، فهو