قلنا: أما الاقتضاء والطلب فهو الامر عندنا على ما يأتي، فتسليمه تسليم لمحل النزاع.
قولهم لا يسمى تاركه عاصيا. قلنا لان العصيان اسم ذم مختص بمخالفة أمر الايجاب، ولا بمخالفة مطلق أمر. ويجب أن يكون كذلك جمعا بين ما ذكروه من الاطلاق وما ذكرناه من الدليل. ولمثل هذا يجب حمل الحديثين على أمر الايجاب دون الندب. ويخص الحديث الأول أنه قيده بالمشقة، وهي لا تكون في غير أمر الايجاب. وإذا ثبت كونه مأمورا فهو حسن بجميع الاعتبارات السابق ذكرها في مسألة التحسين والتقبيح، وهل هو داخل في مسمى الواجب، فالكلام فيه على ما سيأتي في الجائز نفيا وإثباتا.
المسألة الثانية اختلف أصحابنا في المندوب هل هو من أحكام التكاليف؟ فأثبته الأستاذ أبو إسحاق، ونفاه الأكثرون، وهو الحق.
وحجة ذلك أن التكليف إنما يكون بما فيه كلفة ومشقة والمندوب مساو للمباح في التخيير بين الفعل والترك من غير حرج، مع زيادة الثواب على الفعل.
والمباح ليس من أحكام التكليف على ما يأتي، فالمندوب أولى.
نعم، إن قيل إنه تكليفي باعتبار وجوب اعتقاد كونه مندوبا، فلا حرج، فإن قيل المندوب لا يخلو عن كلفة ومشقة، فإنه سبب للثواب، فإن فعله رغبة في الثواب ففعله مشق كفعل الواجب، وإن تركه شق عليه ما فاته من الثواب الجزيل بفعله، وربما كان ذلك أشق عليه من الفعل، بخلاف ترك المباح.
قلنا: يلزم عليه أن يكون حكم الشارع على الفعل بكونه سببا للثواب حكما تكليفيا، لأنه إن أتى بالفعل رغبة في الثواب الذي هو مسببه فهو مشق، وإن تركه شق عليه ما فاته من الثواب. وهو خلاف الاجماع.