المسألة الأولى اتفق المسلمون على أن الإباحة من الأحكام الشرعية خلافا لبعض المعتزلة، مصيرا منه إلى أن المباح لا معنى له سوى ما انتفى الحرج عن فعله وتركه. وذلك ثابت قبل ورود الشرع، وهو مستمر بعده، فلا يكون حكما شرعيا.
ونحن لا ننكر أن انتفاء الحرج عن الفعل والترك ليس بإباحة شرعية، وإنما الإباحة الشرعية خطاب الشارع بالتخيير على ما قررناه. وذلك غير ثابت قبل ورود الشرع. ولا يخفى الفرق بين القسمين. فإذا ما أثبتناه من الإباحة الشرعية لم يتعرض لنفيها وما نفي غير ما أثبتناه.
المسألة الثانية اتفق الفقهاء والأصوليون قاطبة على أن المباح غير مأمور به، خلافا للكعبي وأتباعه من المعتزلة، في قولهم إنه لا مباح في الشرع، بل كل فعل يفرض فو واجب مأمور به.
احتج من قال إنه غير مأمور به أن الامر طلب يستلزم ترجيح الفعل على الترك، وهو غير متصور في المباح لما سبق في تحديده، ولأن الأمة مجمعة على انقسام الاحكام إلى: وجوب وندب، وإباحة، وغير ذلك. فمنكر المباح يكون خارقا للاجماع.
وحجة الكعبي أنه ما من فعل يوصف بكونه مباحا إلا ويتحقق بالتلبس به ترك حرام ما، وترك الحرام واجب، ولا يتم تركه دون التلبس بضد من أضداده، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب لما سبق.
ثم اعتذر عن الاجماع المحتج به بأن قال: يجب حمله على ذات الفعل مع قطع النظر عن تعلق الامر به لسبب توقف ترك الحرام عليه. فإنه إذ ذاك لا يكون مأمورا به، ضرورة الجمع بين الأدلة بأقصى الامكان. وقد اعترض عليه من لا